الميزانية السعودية للعام 2025 : لماذا العجز ولماذا الدَين؟
(العربية)-02/12/2024
*إحسان علي بوحليقة
سؤالان: ماذا يظهر عجز مالي في الميزانية؟ ولماذا الدين العام؟
إعلان الميزانية العامة للدولة من مجلس الوزراء حدث مهم يتطلع له المواطنون والمقيمون والمستثمرون والمهتمون والمتابعون للشأن السعودي اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. لكن الإعلان هو بداية سلسلة من الفعاليات ذات الصلة محورها التوضيح والافصاح والاجابة على الأسئلة، من قبل الحكومة السعودية كل وزير فيما يخصه وذلك طلباً للتحديد والتعمق، من خلال مقابلات صحفية عدة ومؤتمر صحفي يستمر على مدى يومين يشارك فيه الوزراء المعنيين كافة، إذ لا يقتصر الأمر على وزير المالية باعتبار -من الناحية المباشرة- أن الميزانية هي خطة لبيان الإيرادات والنفقات وكيفية التمويل في حال اشتمال الميزانية على عجز، بل النظرة أشمل فالإعلان عن الميزانية مناسبة وطنية رئيسة لبيان في ماذا ستنفق الأموال، وتأتي تفاصيل ذلك البيان على مستويات متتالية: بيان عن رئيس مجلس الوزراء بالمؤشرات الرئيسة للميزانية وفقاً لإقرار مجلس الوزراء لمشروع الميزانية، ثم تنشر وزارة المالية بناناً عن الميزانية العامة؛ نسخة مفصلة ونسخة موجزة تسمى نسخة المواطن، وبين النسختين ستجد تناولاً للاقتصاد العالمي والمحلي وأداء ميزانية العام الحالي من حيث الإيرادات والمصروفات والتفاصيل ذات الصلة بهما مع جداول ورسوم بيانية إيضاحية، وتوقعات عن أداء الاقتصادي والمالية العامة في المدى المتوسط.
ما برحت الميزانية العامة السعودية العام 2025 ذات سمة توسعية من حيث أنها تحافظ على الانفاق الرأسمالي ضمن مستواه في العام 2024، وتسجيل عجزاً 115 مليار ريال وهو أعلى مما كان مقدراً (79 مليار ريال) لكن نسبة العجز بقيت دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وعند التمعن في العجز، وهو ضمن مستويات الجدارة المعتبرة في منظمة التنمية الاقتصادية والتنمية، إلا أنه عملياً يعتبر عجزا اختياريا، حيث أن وجوده يقوم على المفاضلة بين أمرين: إما الإنفاق وفق ما هو متاح من إيرادات بحيث يكون هناك توازن تام بين الإيرادات والمصروفات، وعند اتباع هذا الخيار فلن تسجل الميزانية عجزاً، أو الإنفاق وفق الاحتياجات التمويلية لبرامج تنموية واستثمارية حكومية تدعم تحقيق رؤية 2030 ومستهدفاتها.
والخيار الثاني، هو الذي تتبعه الحكومة لتمكين تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وما يتطلبه الإنفاق على البرامج والالتزامات الجارية الأخرى، وليس وفقاً لما هو متاح من إيرادات واردة للخزانة العامة. والدافع لذلك أن ما يمول هو برامج مداها حتى 2030 وليس التمويل من عام لعام، فالعام الواحد هو حلقة من سلسلة زمنية ضمن حلقات تبدأ بطموح وتنتهي بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. وهكذا، فالعام المالي ليس مدى لمستهدف بل وحدة زمنية محاسبية تفيد في التخطيط والتقنين والضبط وعليه، فالمنظور هو تمويل الانفاق على مدى الرؤية ومستهدفاتها التي لا تحتمل التأجيل ريثما تسمح إيرادات النفط.
وتملك السعودية الجدارة الائتمانية للتحرك ضمن فسحة مالية (fiscal space) مريحة، تمكنها من الاقتراض من السوق الدولية بأسعار من بين الأكثر تنافسيةً، وعادة تشهد الإصدارات تغطيات بأضعاف السقف المطلوب استدانته، وقد وظفت الحكومة هذه الفسحة بالمعايرة بين الاقتراض الداخلي والخارجي حسب الاحتياج، وحالياً فثلثيّ الدين العام داخلي وثلثه خارجي، وقد بلغ حتى نهاية الرابع الثالث قرابة 1.2 مليار ريال وهو ما برح دون السقف المحدد بـ30% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي المنظور متوسط المدى، فسيبقى العجز ملازماً الميزانية حتى العام 2027 وفقاً لتقديرات وزارة المالية، ولن تتجاوز نسبته 3% في أيٍ من السنوات وفقاً لتلك التقديرات، وبالمقارنة فإن متوسط نسبة العجز لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجاوز 7.5% للعام 2021.
وفيما يتصل بالدين العام فوفق التقديرات الرسمية، فمن المتوقع أن يكسر قوام الدين العام حاجز 30% في العام 2026 ليصل إلى 32.3% وإلى 33.3% في العام 2027، وعلى الرغم من النهج المتحفظ الذي تنتهجه المملكة لتحقيق الاستدامة المالية من خلال تنمية إيرادات مستدامة للخزانة ناتجة عن تصاعد النشاط الاقتصادي وزيادة عوائد الاستثمارات، فمن المناسب الإشارة إلى أن متوسط نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتجاوز 120% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن جانب آخر، فمن أهم سمات بناء سعة الاقتصاد هو الحفاظ على سمت الإنفاق الرأسمالي، إذا من الملاحظ بلوغ الانفاق الرأسمالي للحكومة 186 في العام 2023 وهو في حدود من كان مخططاً (189 مليار ريال) وارتفع في بنحو 5.9% عما كان عليه في العام 2023. وقد رصدت ميزانية العام 2025 مبلغ 186 مليار ريال للإنفاق الرأسمالي. وتمارس الحكومة دوراً محورياً في هذا الجانب وذلك من خلال ثلاثة أذرعة: (1) الانفاق الحكومي الرأسمالي، (2) استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، (3) الضخ الاستثماري الداعم من صندوق التنمية الوطني والصناديق المنضوية تحت مظلته بما في ذلك صندوق البنية التحتية، وهو ضخ يقوم على استراتيجية مقرة وذات مستهدفات تسعى لتحقيق هدف رئيس محدد وهو تنويع الاقتصاد عبر تعظيم مساهمة القطاع الخاص، فبالإضافة لنشاط صندوق الاستثمارات العامة الذي يقوم على محركات على الأرض قوامها نحو 100 شركة تسعى لتحقيق التنويع الاقتصادي، فإن صندوق التنمية الوطني يمتلك منظومة تزداد تكاملاً لدفع التنويع الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص على تفاوت مشاربه وأحجامه من بنك التنمية الاجتماعية إلى صندوق زراعي وصندوق صناعي وصندوق عقاري وصندوق تنمية الموارد البشرية وصندوق التنمية الثقافي وصندوق الفعاليات الاستثماري وصندوق التنمية السياحي وبنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة وصندوق البنية التحتية وبنك الاستيراد والتصدير.
ومن الملحوظ نمو تكوين رأس المال الثابت (بالأسعار الثابتة للعام 2018)، حيث ارتفع من 829 مليار في العام 2022 إلى 873 مليار في العام 2023، وتقديرنا أن يرتفع على أساس سنوي إلى 942 مليار في العام 2024، أي ما يمثل 27.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالمقارنة فإن متوسط النسبة لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للعام 2022 بلغ 22%. وتجدر الإشارة إلى أن النسبة في الاقتصاد السعودي بلغت 23.7% في العام 2022 وارتفعت إلى 25.2% في العام 2023.