بعد 5 سنوات… إرث جائحة كورونا لا يزال يغير ملامح الاقتصاد العالمي
(العربية)-10/03/2025
لا تزال تداعيات جائحة كوفيد-19 تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، رغم مرور خمس سنوات على إعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشي الفيروس كوباء عالمي. فقد أدى الوباء وإجراءات احتوائه إلى ارتفاع قياسي في ديون الحكومات، وخلل في أسواق العمل، وتغيرات في سلوك المستهلكين. كما تفاقمت حدة عدم المساواة، فيما استمرت أنماط العمل عن بُعد، والمدفوعات الرقمية، والتحولات في قطاع السفر.
ورغم انتهاء الصدمة الأولية، فلا يزال إرث الجائحة يعيد تشكيل الاقتصاد والأسواق العالمية. وسلط تقرير لوكالة “رويترز” اطلعت عليه “العربية Business” الضوء على أبرز تأثيراتها:
الديون والتضخم وأسعار الفائدة
بعد أن اضطرت الدول للاقتراض لحماية الاقتصاد والمعيشة، ارتفع إجمالي الدين الحكومي العالمي بمقدار 12 نقطة مئوية منذ عام 2020، مع زيادات أكثر حدة في الأسواق الناشئة.
كما أدى الوباء إلى مستويات تضخم مرتفعة بلغت ذروتها في عام 2022، مدفوعة بزيادة الإنفاق بعد رفع الإغلاق، وحزم التحفيز الحكومية، ونقص العمالة والمواد الخام. وأصبحت هذه القضية محورًا رئيسيًا في انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024.
ولتخفيف الضغوط التضخمية، رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة، وإن كان بدرجات متفاوتة. وتراجعت التصنيفات الائتمانية السيادية لكثير من الدول نتيجة الديون الضخمة التي تراكمت لسد العجز في الميزانيات العامة. ووفقًا لبيانات “فيتش” للتصنيف الائتماني، لا يزال متوسط التصنيف الائتماني السيادي العالمي أقل بربع نقطة مما كان عليه قبل الجائحة، فيما انخفض متوسط تصنيف الأسواق الناشئة بنحو نصف نقطة، ما يزيد من تكلفة الاقتراض في الأسواق المالية الدولية.
تحولات في سوق العمل والسفر
فقد الملايين وظائفهم خلال الجائحة، حيث تضررت الأسر الفقيرة والنساء بشكل خاص، وفقًا للبنك الدولي. ومع تخفيف قيود الإغلاق، شهدت سوق العمل تعافيًا، لكن مع تحول نحو قطاعات مثل الضيافة والخدمات اللوجستية، نتيجة ازدهار التجارة الإلكترونية.
كما انخفضت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة عام 2020، بسبب تركزهن في قطاعات تضررت بشدة مثل الفندقة والتصنيع، إضافة إلى أعباء رعاية الأطفال. ورغم تحسن الفجوة بين الجنسين منذ ذلك الحين، لا يزال التعافي غير متكافئ.
أما في قطاع السفر، فقد عاد الناس للسفر وتناول الطعام في الخارج بمستويات قريبة من عام 2019، لكن استمرار العمل عن بُعد قلل من التنقل اليومي في المدن الكبرى مثل لندن، حيث لا تزال رحلات مترو الأنفاق والحافلات أقل بنحو مليون رحلة يوميًا مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
وتكبد قطاع الطيران خسائر بلغت 175 مليار دولار في عام 2020، وفقًا للاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA). ومع حملات التطعيم ورفع قيود السفر، تعافى القطاع تدريجيًا، ومن المتوقع أن يحقق أرباحًا صافية بقيمة 36.6 مليار دولار في 2025، مع تسجيل رقم قياسي يبلغ 5.2 مليار مسافر.
تسارع التحول الرقمي
أدى الإغلاق العالمي إلى تبني أنماط استهلاكية جديدة، حيث شهدت التجارة الإلكترونية طفرة كبيرة منذ عام 2020، قبل أن تستقر لاحقًا. ووفقًا لبيانات “يورومونيتور”، فإن مساحة البيع بالتجزئة في أوروبا زادت بنسبة 1% بين 2022 و2023، ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 2.7% بحلول 2028، مع استثمارات متزايدة في المتاجر الفعلية لدعم كل من المبيعات الإلكترونية والتقليدية.
وخلال الجائحة، تصدرت أسهم شركات التكنولوجيا والتوصيل المكاسب، إلى جانب شركات إنتاج اللقاحات. وبعد خمس سنوات، فقدت بعض الأسهم التي استفادت خلال الأزمة جاذبيتها، بينما استمر بعضها الآخر في تحقيق مكاسب بفضل الأسواق الجديدة التي أتاحها التحول الرقمي.
ورغم انهيار منصة العملات الرقمية “FTX” الذي هز السوق، لا يزال سعر البيتكوين مرتفعًا بنسبة 1,233% منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث بحث المستثمرون عن فرص جديدة للحماية من تقلبات الأسواق التقليدية.
كما شهد الاستثمار الشخصي ارتفاعًا ملحوظًا، حيث بلغت حصة المستثمرين الأفراد 27% من إجمالي تداول الأسهم الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2020.
ورغم انحسار صدمة الجائحة، فلا يزال تأثيرها يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، من ارتفاع الديون وأسعار الفائدة، إلى التحولات في سوق العمل والسفر، وصولًا إلى تسارع الرقمنة. ويبدو أن بعض هذه التغييرات ستظل جزءًا من المشهد الاقتصادي في المستقبل القريب.