بيئة البنوك الرقمية ناضجة.. تنتظر انطلاقة مستقلة
(العربية)-07/08/2025
يشكّل غياب البنوك الرقمية المستقلة في الكويت علامة استفهام، كون قطاع المصارف شهد خلال السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا في الخدمات الإلكترونية، وارتفاعًا في معدلات استخدام التطبيقات المصرفية بين العملاء، خصوصًا في الفئة العمرية الشابة.
ورغم جهوزية البنية التحتية التقنية، وصدور الإطار التنظيمي للبنوك الرقمية من قبل بنك الكويت المركزي في عام 2022، فإن أي رخصة فعلية لم تُمنح حتى الآن لبنك رقمي مستقل بذاته. بينما تم ترخيص بنك رقمي تابع لبنك الكويت الوطني «ويّاي» الذي شهد إقبالاً فاق ما كان مستهدفاً قبل افتتاحه بنحو 4 أضعاف، ليشكل حافزاً للتوسع في إطلاق الخدمات المصرفية الرقمية. كما تم ترخيص بنك رقمي آخر تابع لبيت التمويل الكويتي «تم»، الذي يعد أول بنك رقمي متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في الكويت،ليقدم تجربة ناجحة وغير مسبوقة للعملاء.
ويبقى الحديث عن بنك رقمي متكامل ومنفصل عن البنية التقليدية لا يزال مؤجلاً، ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذا النوع من البنوك في البيئة المصرفية الكويتية، ولا تزال التحالفات التي تقدّمت بطلبات تأسيس بنوك رقمية في الكويت تنتظر قرارًا نهائيًا، في وقت يتراجع فيه الزخم العام حول المشروع، ويغيب عن التصريحات الرسمية أي إطار زمني للترخيص أو التنفيذ. وبالنهاية نجاح التجربة الرقمية في الكويت لن يتحقق بمجرد توافر إطار تنظيمي، بل يحتاج وضوحاً في الرؤية، وتخفيفاً مدروساً في الاشتراطات، وكذلك بيئة تشغيلية أكثر مرونة، تسمح بخلق قيمة مضافة حقيقية في سوق باتت تتطلب حلولًا مصرفية تتناسب مع سلوك جيل جديد من العملاء الرقميين.
البنوك الرقمية
في فبراير 2022، أعلن بنك الكويت المركزي عن الإطار الإشرافي للبنوك الرقمية، محددًا نوعين من النماذج: بنكاً رقمياً يتبع بنكاً تقليدياً، وبنكاً رقمياً مستقلاً قائماً بذاته، برأسمال لا يقل عن 75 مليون دينار، وهي متطلبات البنوك التقليدية نفسها.
ورغم فتح باب التقديم رسميًا، لم تُمنح أي رخصة حتى اليوم، في ظل معايير معينة تشمل الحوكمة، والأمن السيبراني، وكفاءة نموذج الأعمال، ما اعتبره البعض حاجزًا مرتفعًا أمام دخول لاعبين جدد.
وفي المقابل، أظهرت تجارب خليجية أخرى وتيرة أسرع وأكثر حسمًا، ففي السعودية، منح البنك المركزي هناك تراخيص لثلاثة بنوك رقمية خلال أقل من عام، من بينها STC Bank، وفي الإمارات، تم إطلاق بنك Zand كأول بنك رقمي مستقل يخدم الأفراد والشركات، وسط دعم تنظيمي واضح.
وتُبرز هذه التجارب فلسفة التعامل مع التحوّل الرقمي، حيث لم تكتفِ بعض الدول بوضع الأطر القانونية، بل وفّرت حوافز تشغيلية، ومساحات تنظيمية مرنة لتشجيع الدخول في هذا النوع من النماذج المصرفية.
اندماجات البنوك
مع إعلان اندماجات واستحواذات البنوك الكويتية الأخيرة، تتجه الأنظار في الوقت الراهن إلى ما إذا كانت هذه التحركات بمنزلة إعادة ترتيب للسوق تمهيدًا للسماح بدخول بنوك رقمية جديدة.
ويبقى ان تقليص عدد البنوك التقليدية (التقليدية والإسلامية) من شأنه أن يفتح المجال التنظيمي والاقتصادي أمام البنك المركزي لتجربة نماذج رقمية بالكامل، خصوصًا في سوق باتت مشبعة بعدد كبير من البنوك نسبةً لعدد السكان.
وفي ظل النمو المستمر للخدمات الرقمية، ووضوح المعايير الرقابية، قد يكون تسارع اندماجات البنوك الكويتية إشارة لتحرير مساحة للبنوك الرقمية المستقلة خلال المرحلة المقبلة.
ومن المؤكد أن العامين المقبلين سيكونان حاسمين في كسر الجمود الرقمي في القطاع المصرفي، ولا سيما مع توافر قاعدة شبابية رقمية واسعة، ونماذج ناجحة خليجيًا يمكن الاسترشاد بها.
تحديات تواجه البنوك الرقمية في الكويت
رغم الجهود المبذولة، فإن البنوك الرقمية في الكويت تواجه بعض التحديات التي قد تؤثر في سرعة تبني هذه التكنولوجيا على نطاق واسع، ومن أبرز هذه التحديات:
أولاً: أمن المعلومات:
– يبقى القلق من الأمن السيبراني إحدى أبرز العقبات، ومع ازدياد استخدام الخدمات الرقمية، يرتفع أيضًا خطر الاختراقات الإلكترونية، ما يتطلب استثمارات ضخمة في تعزيز أمان المعاملات الرقمية وحماية بيانات العملاء.
ثانياً: محدودية الوعي الرقمي:
– العديد من المواطنين، خاصة كبار السن، قد يواجهون صعوبة في التعامل مع التقنيات الحديثة، وهذا يشير إلى الحاجة إلى توعية وتعليم فئات كبيرة من المجتمع حول كيفية استخدام الخدمات المصرفية الرقمية بشكل آمن وفعال.
6 أسباب للحاجة إلى بنوك رقمية مستقلة
السوق الكويتي يحتاج المزيد من البنوك الرقمية أكثر من أي وقت مضى، ليس لمجاراة الموضة المصرفية، بل لضرورات حقيقية تمس الاقتصاد، وسلوك الأفراد، وواقع القطاع المالي، وإليك الأسباب:
1 – تغيّر سلوك العملاء: الطلب يتزايد على الخدمات المصرفية عبر التطبيقات، خاصة من فئة الشباب.
2 – خفض التكاليف: البنك الرقمي يعمل من دون فروع، ما يقلل التكاليف ويتيح تقديم خدمات أرخص.
3 – الشمول المالي: يخدم فئات غير مغطاة مثل الشباب، العاملين لحسابهم، والمقيمين من دون حسابات تقليدية.
4 – تحفيز الابتكار: يدفع البنوك التقليدية للتطوير ويقدّم منتجات مالية حديثة ومرنة.
5 – دعم مكانة الكويت المالية: التأخّر عن دول الخليج في تبنّي البنوك الرقمية يضعف التنافسية الإقليمية.
6 – الإطار التنظيمي جاهز: بنك الكويت المركزي وضع اللوائح منذ 2022، والتأخير في التنفيذ يُفقدها قيمتها.