تداعيات الرفع الرسمي لعقوبات «قيصر» عن سوريا
(الجمهورية)-22/12/2025
بعد نحو 5 سنوات من التنفيذ الصارم، صوّت الكونغرس الأميركي على رفع الدرجة الأولى من عقوبات «قانون قيصر» عن سوريا. خطوة تحمل تداعيات إقتصادية وإجتماعية وإستثمارية واسعة على سوريا، لكن أيضاً على لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
نُذكّر بأنّ بدء تنفيذ عقوبات «قانون قيصر» على سوريا، كان منذ العام 2020، وكانت هذه العقوبات الخانقة تشمل كل التحويلات المالية والإستثمارات، قطاع الطاقة، التبادل التجاري، وكل عمليات الإستيراد والتصدير من سوريا وإليها. وكان لها تأثير كبير على الإقتصاد السوري الذي تدهور بسرعة فائقة، لا سيما حيال عملته الوطنية، وقد أصبح كل هذا الإقتصاد مبنياً على السوق السوداء والتهريب والترويج.
أمّا اليوم، وبعد رفع العقوبات التدريجي عن سوريا، بعد التصويت الإيجابي الأول من قِبل الكونغرس الأميركي، لا شك في أنّ هذه الخطوة ستُحفّز الحركة التجارية من جديد، ولا سيما جذب الإستثمارات الخارجية في القريب العاجل. وستكون هناك تداعيات واسعة على الإقتصاد اللبناني أيضاً:
أولاً: رفع هذه العقوبات سيُمهّد الطريق إلى إعادة بناء تبادل تجاري رسمي وشفّاف بين لبنان وسوريا، والحدّ من الإقتصاد الأسود وإقتصاد التهريب الماضي المسيء والمدمّر للبلدَين.
من جهة أخرى، نذكّر بأنّ الحدود البرية بين لبنان وسوريا هي المنفذ البري الوحيد للبضائع اللبنانية، والباب المفتوح ليس فقط لسوريا لكن أيضاً للأردن ومصر والعراق وسائر دول الخليج العربي، فنتوقع أن ترتفع زيادة كثافة الصادرات اللبنانية عبر سوريا بنسبة 15%-20% على المدى القصير والمتوسط.
بالإضافة إلى ذلك، نتوقّع إتفاقات مهمّة في ما يتعلّق بالطاقة، فلبنان مهتم جداً بشراء كهرباء سوريا بكميات هائلة وبأسعار منخفضة، وهذا الأمر كان صعباً جداً في ظل عقوبات «قانون قيصر».
كذلك، لبنان مهتم وله مصلحة كبيرة في شراء الغاز المصري الذي يمرُّ بالأنابيب عبر الأردن وسوريا نحو لبنان، فقد كان هذا الإستيراد مستحيلاً أيضاً في ظل العقوبات.
أمّا في ما يتعلّق باللجوء السوري، فلا شك في أنّ رفع العقوبات سيُعيد الحركة الإنمائية إلى سوريا، وسيجذب بشكل طبيعي المزيد من اللاجئين السوريِّين الذين سيعودون إلى بلدهم الأم وأرضهم وبيوتهم، للمشاركة في مشروع إعادة بناء بلادهم والإستفادة من الأموال التي ستُضخّ إليها.
أخيراً، إنّ رفع عقوبات «قانون قيصر» عن سوريا هو الممرُّ الأهم والأساسي للشركات اللبنانية المهتمة بالمشاركة في ورشة إعادة الإعمار الضخمة، فمعظم الشركات اللبنانية من جميع القطاعات ولا سيما النقل، التجارة، الصناعة والتكنولوجيا، ستتهيأ لبناء شراكات مثمرة وتآزر مع شركات سورية أو شركات أجنبية، للمشاركة في إعادة الإعمار والإستثمار في هذه السوق الواعدة.
في المحصّلة، تنطوي اليوم صفحة مصيرية من العقوبات، وتُفتح صفحة جديدة بنّاءة وواعدة، ليس فقط لإقتصاد سوريا لكن أيضاً لإقتصاد لبنان والمنطقة المجاورة، لأنّ هناك نيّة دولية وإصطفاف كواكب لإعادة بناء البلد، وخصوصاً بناء الإستقرار والسلام في المنطقة. لكن في الوقت عينه، لا شك في أنّ المخاطر والمخاوف لا تزال تلوح في الأفق. علينا جميعاً أن نستفيد من رفع العقوبات الأولية ونتهيّأ لأكبر مشروع وورشة إعادة إعمار، التي ستخلق نمواً ليس فقط في سوريا لكن في لبنان والمنطقة. إنّنا نطوي ليس فقط صفحة العقوبات، لكن أيضاً صفحة التهريب والترويج والتسلُّح، لبناء تبادل تجاري رسمي، وإقتصاد أبيض مستدام وشفّاف. هناك فرصة تاريخية، علينا ألّا نُضيّعها من جديد.
