تداعيات فرض رسوم جديدة على الصادرات اللبنانية نحو الولايات المتحدة
(الجمهورية)-14/04/2024
*د. فؤاد زمكحل
جاء قرار الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على أكثر من 185 دولة في العالم، بينها 18 بلداً في الدول العربية والشرق أوسطية، بما فيها لبنان، في إطار مشروعها الموسع بإعادة التوازن التجاري، وتعزيز الاقتصاد الأميركي وإنمائه.
تُراوح نسبة الرسوم الجديدة بين 10% و60%، إذ ينال لبنان الحصة الأدنى وهي نسبة 10% على صادراته نحو الولايات المتحدة، مقارنةً بدول مجاورة مثل الجزائر، تونس، سوريا وحتى العراق، التي يُفرَض عليها رسوم جديدة تقارب الـ41%.
الجدير بالذكر، أنّه بالنسبة إلى لبنان، التوازن والإستفادة المباشرة هي أكثر بكثير لمصلحة الولايات المتحدة، التي تُصدِّر إلى لبنان أكثر من 700 مليون دولار، من البضائع مقارنةً بلبنان الذي يصدّر ليس أكثر من 120 مليون دولار إلى الولايات المتحدة.
فالبضائع اللبنانية التي تُصدَّر هي مواد الزيوت والزعتر وبعض المعلّبات الغذائية والنبيذ، أمّا البضائع التي نستوردها فهي خصوصاً قطع غيار، أدوية، مواد زراعية، مأكولات وغيرها. فلا شك في أنّ العجز المطروح هو لمصلحة الولايات المتحدة وليس لبنان. لكنّ زيادة الـ 10% على الرسوم لن تؤثر مباشرة على التصدير، لأنّ الأسعار لم تتغيّر كثيراً. أمّا إذا قرّرت الدولة اللبنانية التعامل بالمثل، ورفعت قيمة الرسوم على البضائع الأميركية، فسيتأثر مباشرةً المواطن، ويدفع ثمن زيادة هذه الأسعار في السوق المحلية. نتمنّى أن تكون هدنة الـ90 يوماً ستسمح بتفاوض منتج وبنّاء لعدم فرض أي رسوم جديدة وتأثر التبادل التجاري بيننا.
أمّا الرسوم الجديدة التي فُرضت على تونس، الجزائر، سوريا والعراق بأكثر من 41%، لا شك في أنّها ستؤثر مباشرة على اقتصادها، لأنّها تتكل على سوق الولايات المتحدة بطريقة كبيرة، وستزيد الضغوط على هذه الدول وقطاعها العام والخاص. ولا شك في أنّ هناك ضغوطاً نقدية ومالية وإقتصادية بارزة، لكن أيضاً ضغوطاً سياسية مبطّنة.
من الواضح، أنّ هذه الحرب التجارية التي تقوم بها الولايات المتحدة ضدّ العالم تُشبه صدمة كهربائية، تسمّى بـ Electrochoc، ليخرج قسم كبير من البلدان من منطقة الراحة وزيادة الضغوط، قبل التفاوض بشروط صارمة تفرضها الولايات المتحدة.
لا شك في أنّ الأسواق المالية والإقتصادية في العالم قد اهتزّت بهذا القرار السريع، لكن في الوقت عينه أعادت ارتفاعها بعد بضع كلمات على «التويت»، عندما علّق الرئيس الأميركي هذا القرار بهدنة 90 يوماً.
لا شك في أنّ هذه الحرب التجارية موجّهة خصوصاً على الصين، وعلى بلدان أخرى بضغوط اقتصادية ولاستعادة أميركا دورها كقوّة عظمى تحكم العالم.
إنّ الرئيس الأميركي معروف باستراتيجيّته بالتفاوض القوية والصارمة، التي شهدناها عندما كان رجل أعمال وحتى في ولايته الأولى، فيُفاوض بشراسة ويفرض رأيه بقوة، في جميع الظروف. لا شك في أنّه في موقع قوة وسيستفيد منه، وهدفه الأول نجاح أول مئة يوم من ولايته.
من الواضح أنّه بالنسبة إلى الأميركيِّين، إمّا يكون ترامب من أهم الرؤساء الذين عرفوه، وسيُعيد الإنماء ويُحسّن نسبة العيش لشعبه، أو سيكون الأسوأ، وستشهد الولايات المتحدة تحرّكات شعبية مؤذية. فلا حل وسط لهذه السياسة الجديدة، لكن ستكون متطرّفة، من الأحسن أو الأسوأ، وعلينا أن ننتظر شهوراً عدة أو سنة لتظهر التداعيات المباشرة لهذا التغيير الكبير في السياسة والإدارة الأميركية.
في المحصّلة، لا شك في أنّه على المدى القصير ستشهد الولايات المتحدة تضخُّماً وتراجعاً في التبادل التجاري والإقتصادي، وأيضاً ضغوطاً على أسواقها المالية وعملتها الخضراء، لكن إذا ربح الرئيس شرطه، واستقطب الجميع إلى التفاوض تحت شروطه، وزاد مدخول الشركات الأميركية ونسبة عيش شعبه، وبنى إنماءً مستداماً لبلده، فسيكون من أعظم الرؤساء الذين مرّوا في الولايات المتحدة، وسيفرض من جديد هيمنة الولايات المتحدة على العالم وسيربح هذه الحرب التجارية التي بدأها.
أمّا إذا خسر شرطه فالمخاطر ستكون كبيرة، ليس فقط على بلده واقتصاده، لكن أيضاً على العالم. علينا التريُّث والإنتظار لرؤى أوضح لهذه الضبابية، وبإنتظار أن تمرّ هذه العاصفة أو بالأحرى هذه «الزوبعة» التي ستأخذ في طريقها إقتصادات عدة.
لا شك في أنّ ثمّة مخاطر كبيرة قد اتخذها الرئيس الأميركي جرّاء قراره الأخير، فإمّا سيستطيع إعادة بناء وإنماء الإقتصاد الأميركي، ولا سيما على صعيد البضائع والشركات، إذ سيُلقّب عندها بأنّه أهم رئيس للولايات المتحدة حيال بنائه أهم اقتصاد أميركي، وإمّا سيؤثر سلباً على الاقتصاد الأميركي من خلال تفاقم التضخُّم، وتراجع التبادل التجاري والإقتصادي، وسيكون عندها أسوأ رئيس أميركي.
لذا، فإنّ القرارات السريعة التي اتخذها الرئيس الأميركي، لا شك في أنّها تؤثر مباشرة على سائر أنواع التبادل التجاري الدولي، فضلاً عن التفاوض والتعامل بين الدول. علماً أنّه يستطيع أن يتخذ قرارات سريعة جداً، ويقدر أن يُنفّذها بشكل سريع أيضاً. لكنّ التداعيات العالمية لا تزال ترسم علامات إستفهام كبرى.