تونس: القطاع المصرفي في مهبّ لوائح الإقراض وخفض الفوائد
(القبس)-11/03/2025
يبدو أن القطاع المصرفي في تونس، الذي صمد في وجه الأزمة الاقتصادية سنوات طويلة، سيجد نفسه في قلبها مستقبلاً. وربما تواجه مصارف تونس صعوبات كبيرة في عام 2025، إذ توقعت وكالة “فيتش رايتنغ” للتصنيف الائتماني في تقرير أخير انخفاض أرباح أكبر 10 مصارف تونسية بنسبة 14% في العام الجاري.
ردّت “فيتش رايتنيغ” تراجع أرباح القطاع المصرفي في تونس إلى اللوائح الجديدة، “وتسمح إحداها للمقترضين بتخفيض أسعار الفائدة على بعض القروض ذات الفائدة الثابتة”، مؤكدةً أن هذه اللائحة ستؤدي إلى إضعاف صافي الربح في أكبر 10 مصارف بنحو 170 مليون دينار تونسي في عام 2025، أي ما يمثل 11% من صافي أرباحها في النصف الثاني من 2024. ويأتي ذلك فيما يبدأ قريباً تطبيق لائحة جديدة تفرض على المصارف التونسية منح قروض من دون فوائد بإجمالي 8% من صافي دخلها لعام 2024، للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
وينشط في تونس نحو 43 مصرفاً، تنقسم بين حكومية وخاصة، وسبعة مصارف غير مقيمة و8 مؤسسات للإيجار المالي، إضافة إلى مصرفي أعمال وشركتين للدفع ومؤسستين لإدارة الديون.
ليست المرة الأولى
تقول المحللة الاقتصادية إيمان الحامدي لـ”النهار”: “هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن توقعات مماثلة، فثمة مؤسسات أخرى حذرت سابقاً من آفاق سلبية منتظرة للمصارف في تونس بسبب زيادة الضغط عليها، فإجراءات الإقراض الجديدة أثرت على أرباحها لأنها مست أبرز مواردها”.
وتتحدث الحامدي عن النظام الضريبي الذي أُقر في إطار قانون المالية، والذي تم بموجبه رفع الضرائب على أرباح البنوك إلى حدود 40%.
وفي تقديرها أيضاً، ضعف نموّ القروض منذ 2022، واستمرار ارتفاع نسبة الفائدة المديرية بالتوازي مع تشديد سياسة البنك المركزي التونسي في مجال تخصيص المدّخرات في مخاطر الإقراض، كلها عوامل ستؤثر على أرباح مصارف تونس.
وفي السياق نفسه، تشير إلى انعكاسات قانون الشيكات الجديد على المتعاملين الاقتصاديين في تونس، وتقول: “كانت المصارف تجني أرباحاً مهمةً من فوائد تأخير خلاص الشيكات، وهذا القانون أثر على المعاملات الاقتصادية في البلد وتسبب في حالة ركود اقتصادي، ومع تراجع حجم الاستهلاك بات المتعاملون الاقتصاديون، سواء كانوا أشخاص طبيعيين أم مؤسسات، في ضائقة مالية”.
وأقرت تونس منذ الشهر الماضي قانوناً جديداً للشيكات أدخل حالة ركود في مجمع الأعمال بعد أن منع استعمال الصك البنكي وسيلة للضمان.
وتشير الحامدي إلى أن المصارف في تونس كانت تستفيد “بشكل ما” من الأزمة الاقتصادية في البلد، من خلال تقديم القروض للمتعاملين، “لكنها اليوم لم تعد تقدم القروض الكبيرة التي تجني أرباحاً كبيرةً من فوائدها، وتقتصر على منح قروض الاستهلاك الصغيرة التي لا تحقق فوائد كبيرة”.
مخاطر مستقبلية
وعن تداعيات الأزمة، تقول الحامدي: “قد يواجه القطاع المصرفي صعوبات كبيرة في المستقبل، خصوصاً أن سياسة الدولة اليوم تقوم على التعويل على الذات من خلال التوجه نحو الاقتراض الداخلي من المصارف لتعبئة مواردها عوض الاقتراض الخارجي، وهذا يزيد من توجه المصارف نحو إقراض الدولة مقابل تقليص تمويل الاستثمار، ما من شأنه أن يؤثر على نسب النمو الاقتصادي”.
ولجأت تونس إلى الاقتراض من السوق المحلية في السنوات الأخيرة بسبب صعوبات واجهتها في ما يخص الموارد الخارجية، بعد خفض تصنيفها الائتماني السيادي. وزادت أرباح المصارف المتأتية من إقراض الدولة طويل المدى بنسبة 58.12% طيلة العقد الأخير، “لكن هذه المصارف قد تواجه مخاطر على مستوى الأموال الذاتية، في صورة تعثر الدولة عن السداد”، بحسب الحامدي.