تونس تعتزم الاستعانة مجددا بالبنك المركزي لسد العجز المالي بالخزينة
(صحيفة العرب)-17/10/2025
أظهرت وثيقة مشروع ميزانية الأربعاء أن الحكومة التونسية ستطلب مجددا في عام 2026 تمويلا مباشرا استثنائيا من البنك المركزي يصل إلى 3.7 مليار دولار، في خطوة تهدف إلى سد العجز المالي الناجم عن الصعوبات التي تواجهها المالية العامة في ظل شح التمويل الخارجي.
وينص الفصل الـ12 من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 على الترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية في حدود مبلغ أقصاه 3.7 مليار دولار تمنح هذه التسهيلات دون فائدة موظفة وتسدد على 15 سنة منها 3 سنوات إمهال.
ويعدّ هذا المبلغ المقترح تصعيدا كبيرا مقارنة بالاقتراض الذي لجأت إليه الحكومة في العام الحالي.
وتواجه تونس أزمة مالية خانقة تشهد نموا ضعيفا ودينا عاما عاليا وصعوبة الحصول على تمويلات خارجية خاصة.
ويضع هذا الضغط الاقتصادي الهائل الحكومة أمام تحدي إيجاد حلول عاجلة ليس فقط لاستقرار المالية العامة بل وللحفاظ على الخدمات العامة الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون.
وتكرر الحكومة بهذا الطلب نهجها المتبع في عام 2025، حيث اضطرت سابقا إلى اللجوء للاقتراض المباشر من البنك المركزي وسحبت مبلغا وصل إلى 2.3 مليار دولار لسداد ديون مستحقة وعاجلة.
وقد أثارت هذه الخطوة تحذيرات واسعة من الخبراء الاقتصاديين، الذين أشاروا إلى أن تمويل عجز الموازنة عبر طباعة النقود قد يدفع بالبلاد إلى دوامة تضخم يصعب السيطرة عليها، مما يزيد العبء على المواطن التونسي.
وتُقدر احتياجات تونس الإجمالية للتمويلات، الداخلية والخارجية، في عام 2026 بما يقارب 27 مليار دينار تونسي، وهو ما يماثل تقريبا حجم التمويلات المطلوبة في العام الحالي، مما يشير إلى استمرار الضغط المالي.
ولتغطية هذا الفارق، تخطط الحكومة إصدار صكوك بقيمة سبعة مليارات دينار (أي ما يعادل 2.3 مليار دولار) في العام المقبل، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.
ومن المتوقع أن يرتفع حجم الميزانية الكلي في عام 2026 ليصل إلى 63.5 مليار دينار (أي ما يعادل 21.75 مليار دولار)، صعودا من 59.8 مليار دينار (ما يعادل 20.48 مليار دولار) في العام الحالي.
ويحذر الخبراء من تداعيات الاعتماد المتجدد على الاقتراض المحلي بكثافة، حيث يرون أن هذا التوجه قد يؤدي إلى استنزاف الموارد المالية المتاحة في السوق المصرفية، وربما يغير بوصلة القطاع المصرفي من تمويل المشاريع الاستثمارية وتحفيز الاقتصاد الحقيقي، ليصبح دوره الرئيسي هو تغطية العجز المزمن في ميزانية الدولة.
وتفصح خطة الميزانية الجديدة عن حزمة من الإصلاحات تهدف إلى زيادة الإيرادات وتخفيف الأعباء الاجتماعية.
وتخطط الحكومة لرفع أجور القطاعين العام والخاص على مدار السنوات الثلاث المقبلة، وفرض ضريبة ثروة بنسبة واحد بالمئة على الممتلكات التي تزيد قيمتها على خمسة ملايين دينار، مما يمثل خطوة نحو تحقيق قدر أكبر من العدالة الجبائية.
ويُستكمل المسار التشريعي لمشروع الميزانية باجتماع مكتب مجلس النواب اليوم الخميس. ومن المقرر أن ينظر المكتب في المشروع تمهيدا لإحالته إلى اللجان المختصة في البرلمان.
ومن المتوقع أن تحدد بعد ذلك مواعيد الجلسات العامة المخصصة للنقاش والتصويت النهائي على مشروع ميزانية الدولة لعام 2026، التي تحمل في طياتها خططا جريئة لكنها محفوفة بالمخاطر الاقتصادية والمالية.
وتتكامل هذه التطورات الداخلية مع رؤية المؤسسات الدولية، حيث كشف تقرير حديث للبنك الدولي، نُشر الأسبوع الماضي ضمن تقريره حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، عن تفاؤل حذر بشأن المسار المالي لتونس. وتوقع التقرير أن يصل عجز ميزانية الدولة إلى 5.7 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال عام 2025.
ويُشير البنك الدولي إلى إمكانية تسجيل تراجع طفيف في هذا العجز على المدى المتوسط، ليتوقع وصوله إلى 4.4 بالمئة من الناتج الداخلي الخام بحلول عام 2027. ويُعزى هذا التحسن المرتقب إلى نجاح الحكومة في التحكم في كتلة الأجور والدعم الموجه، مما يخفف الضغط على النفقات العامة.
والأسبوع الماضي، توقع تقرير البنك الدولي، أن يبلغ عجز ميزانية الدولة 5.7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام خلال سنة 2025 وسط توقعات على المدى المتوسط، بتسجيل تراجع طفيف لهذا العجز ليبلغ 4.4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2027.
وتُظهر التوقعات الدولية تحسنا طفيفا كذلك في مسار التداين العام، إذ من المتوقع أن ينخفض الدين العام لتونس ليصل إلى 83.6 بالمئة من الناتج الداخلي الخام في عام 2027، مقارنة بـ 84.5 بالمئة المسجلة في عام 2024. ورغم أن النسبة تظل مرتفعة، فإن هذا التراجع الطفيف يعكس بداية لتخفيف الضغط على الميزانية.
ويتوقع التقرير ذاته تسجيل استقرار على مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس. وتُعزز هذه التوقعات ببيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التي أشارت إلى زيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة بنسبة 21.3 بالمئة خلال النصف الأول من عام 2025، لتصل إلى 1640.5 مليون دينار حتى نهاية يونيو من هذه السنة، مقابل 1352.4 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وتأكيدا على هذا التوجه، تخطط تونس لجذب استثمارات خارجية بقيمة 3400 مليون دينار مع نهاية عام 2025، وتستهدف بلوغ 4 مليارات دينار في عام 2026، الذي يمثل العام الأول لتنفيذ مخطط التنمية الجديد 2023/2026.