تونس.. نمو الاقتصاد بين الأرقام الإيجابية والواقع المتعثر
(النهار)-01/09/2025
بين أرقام تبدو إيجابية وواقع لا يبدو كذلك، يترنح الاقتصاد التونسي الذي مازال يعاني من أزمة مركبة تفاقمت مع مرور السنوات وعجزت جل الحكومات المتعاقبة، على كثرة عددها، عن إيجاد حل لها.
وفي أرقام جديدة صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي حقق الاقتصاد التونسي نسبة نمو قدرت ب3.2 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، ونسبة نمو في حدود1.8 في المئة مقارنة بالربع الأول من العام الحالي.
معهد الإحصاء أشار كذلك إلى تراجع نسبة البطالة من 15.7 في المئة خلال الربع الأول إلى 15.3 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وتتوقع الحكومة نمواً في حدود 3.2 في المئة لكامل عام 2025، فيما لا تتجاوز توقعات البنك الدولي نسبة 1.9 في المئة وصندوق النقد الدولي نسبة 1.4 في المئة، بعدما كانت في حدود 1.6 في المئة، وهذه هي أعلى نسبة نمو تحققها تونس منذ عام 2021.
قطاعات تنتعش
لكن هذه الأرقام،إن لم تكن عاليةً، فإنها تبدو إيجابية بالنسبة إلى اقتصاد متعثر يرزح تحت وطأة كم كبير من الصعوبات والتحديات من بينها تراجع نسبة الاستثمار مقابل ارتفاع نسبة المديونية والبطالة والفقر والعجز عن توفير موارد لتمويل الموازنة.
ويُرجع النمو المسجل إلى تحسن مؤشرات عدد من القطاعات في مقدمتها الزراعة بنسبة 9.8 في المئة والسياحة والفوسفات بنسبة 2.1 في المئة، والتشييد والبناء بنسبة 9.6 في المئة، والخدمات بنسبة 1.9 في المئة والنقل بـ3 في المئة، والمعلوماتية والاتصال بـ1.5 في المئة، فيما يواصل قطاع السياحة نموه المعتاد الذي يجعل منه واحداً من ركائز الاقتصاد التونسي.
أرقام مفاجئة
الأرقام التي أعلنها معهد الإحصاء فاجأت التونسيين والمحللين الاقتصاديين، خصوصاً في ظل حصول انطباع عام في البلد بوجود حالة انكماش وركود زاد قانون الشيكات الجديد في تعميقها.
وحرم القانون الجديد التونسيين من استعمال الشيكات وسيلة للضمان أو التقسيط في معاملاتهم التجارية.
ويقول عدد من التجار لـ”النهار” إن هذا القانون تسبب في ركود كبير في حركة السوق، خصوصاً مع غياب بديل يعوض الشيكات.
وأثار التباين بين الأرقام الرسمية التونسية وتقديرات المؤسسات الدولية سجالاً واسعاً، لكن الأستاذ في الجامعة التونسية رضا شكندالي يوضح لـ”النهار” أن الأرقام التي تصدرها المؤسسات الدولية هي تقديرات لسنة كاملة فيما الأرقام التي أصدرها المعهد تخص فقط ما تحقق في الثلاثي الثاني من هذا العام”والتي تطابقت مع التقديرات الرسمية التي أعلن عنها في الموازنة”.
ويقول إن نسبة النمو المعلنة كانت “مفاجئةً” لكل المحللين، خصوصاً أنها جاء بفضل انتعاشة قطاعات تعاني من صعوبات عديدة مثل الفوسفات والبناء والتشييد.
لكنه في المقابل يؤكد أن هذا التحسن قد يجد ما يبرره في مؤشرات التجارة الخارجية حيث” سُجل ارتفاع في صادرات المواد الأولية والمواد نصف المصنعة في النصف الأول من العام الجاري على عكس أعوام سابقة”، ما قد يشير في تقديره” إلى عودة حركة الاستثمار”.
نمو وهمي
ورغم كونها تبدو إيجابية في الظاهر، الا أنها لا تعكس واقع الاقتصاد المنكمش وواقع التونسيين الذين لا يشعرون بآثارها وفق ما يُؤكده الخبراء.
ويرى عدد من الخبراء أن الاقتصاد التونسي يعيش “وهم النمو” معتبرين أن الأرقام المعلنة لا تعكس حقيقة الانكماش الاقتصادي، مميزين بين اقتصاد الأرقام واقتصاد الحقيقة، وفي الصدد نشر الخبير الاقتصادي التونسي المقيم في أستراليا العربي بن بوهابي قراءة لأرقام معهد الإحصاء مشيراً إلى وجود علامات استفهام حول تباينها مع تقديرات المؤسسات الدولية.
ورأى أن الأرقام الرسمية تخفي حقيقة أساسية مفادها أن “الناتج المحلي الإجمالي نما بالقيمة الاسمية نتيجة التضخم لكنه انكمش بالقيمة الحقيقية”.
وقدر أن الاقتصاد التونسي يعيش “وهم النمو” الذي فسره على أنه “ارتفاع في الأرقام الرسمية نتيجة التضخم وانخفاض في قيمة الدينار لكن من دون تحسن فعلي في الإنتاجية أو توسع في الاستثمار”.
وخلص الخبير إلى أن “ما يقدم للرأي العام كتحسن للاقتصاد ليس سوى تجميل ظرفي للأرقام بينما يؤكد الواقع انكماشاً حقيقياً وتفاقماً للأزمات الهيكلية”.