حقبة جديدة من الحمائية .. كيف ستتصرف البنوك المركزية مع سياسات ترمب الجمركية؟
(الإقتصادية)-07/04/2025
إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حزمة جديدة من التعريفات الجمركية، شكل بداية لتحول جذري في السياسة التجارية الأمريكية لم نشهد لها مثيلا منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
يعكس قرار الرئيس الأمريكي رؤيته لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي بما يتماشى مع فهمه للمصالح الأمريكية، لكن نتيجة هذه القرارات وضعت البنوك المركزية في مواجهة تحديات معقدة تتعلق بكيفية موازنة إستراتيجياتها بين مكافحة التضخم ودعم النمو الاقتصادي في آن واحد.
كيف ستتفاعل البنوك المركزية مع النظام الاقتصادي الجديد؟
تشمل السياسات الأمريكية الجديدة فرض تعريفات جمركية بنسبة 10 % على جميع الواردات، مع زيادات أكبر على بعض الدول التي تعتبرها الإدارة الأمريكية خصوما تجاريين.
يبرر ترمب هذه السياسات بأنها ستعيد إحياء قطاع التصنيع الأمريكي، تقلص العجز التجاري، وتساعد على خفض الدين الوطني، لكن المعارضين يرون أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وهنا قال لـ”الاقتصادية”، النائب السابق لرئيس وحدة الاستشارات المالية في بنك إنجلترا، بول واو، إن “زيادة الرسوم الجمركية تؤدي إلى رفع الأسعار في الدولة التي تفرضها وتقليص النشاط الاقتصادي في الدولة المستهدفة”.
أضاف، في البداية ترتفع الأسعار ما يضغط على البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، لكن إذا حدث ركود اقتصادي نتيجة تراجع الطلب، فإن البنوك المركزية ستجد نفسها مضطرة إلى تبني سياسات نقدية أكثر تحفيزا وخفض أسعار الفائدة.
أما أستاذ النظم المصرفية الدكتور آرثر ناندي، فيرى أن قرارات الرئيس ترمب تضيف مزيدا من التعقيد لمشهد اقتصادي عالمي غير مستقر ومعقد بطبيعته، ما يزيد الضغوط على محافظي البنوك المركزية.
وقال ناندي لـ “الاقتصادية”، إنه يصعب وضع وصفة واحدة صالحة لجميع البنوك المركزية للتعامل مع الوضع الجديد. فمثلا، في آسيا، يؤدي التحول الأمريكي نحو الحمائية إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد، ما قد يخلق فرصا جديدة لبعض الدول مثل فيتنام وإندونيسيا التي قد تستفيد من نقل المصانع إليها، بينما تتأثر الصين سلبا إذا تصاعدت الحرب التجارية.
أما البنك المركزي الأوروبي، فيواجه مفارقة محرجة، وهي هل ينبغي عليه دعم النمو من خلال تخفيف السياسة النقدية، أم مواجهة الصدمة التضخمية التي قد تسببها الرسوم الجديدة؟ أضاف، “إجابة البنوك المركزية ستعتمد على ما سيحدث لمعدلات التضخم المحلية، والمرجح أن تفضل الأغلبية خفض أسعار الفائدة.
مع ذلك، يرى بعض الخبراء أن التحدي الذي ستواجهه البنوك المركزية أكثر تعقيدا، وأن الحسابات قد تتغير بشكل كبير إذا تجاوز ارتفاع التضخم التوقعات.
من جانبها، ذكرت الباحثة الاقتصادية في التنمية الدولية، كيتلين كير، أن “قرارات ترمب مؤلمة للاقتصاد العالمي، ووجهت طعنة نجلاء للعولمة والتجارة الحرة، لكن توقعات التضخم لا تزال حتى الآن معتدلة، وهذا قد يحول دون قيام البنوك المركزية بخفض معدلات الفائدة.
ومن المبكر حاليا الجزم بطبيعة القرارات التي ستتخذها البنوك المركزية لمواجهة سياسات الرئيس الأمريكي، ومن المرجح أن يكون هناك عدد من السيناريوهات المطروحة أمام كل بنك مركزي، ليختار من بينها وفقا للأوضاع المحلية.
فالاقتصاد العالمي في بداية مرحلة جديدة تنحسر فيها العولمة أمام سياسات حمائية أكثر تشددا، وفي ظل هذا المشهد، ستظل البنوك المركزية تترقب التحركات التالية لكل من واشنطن وبقية العواصم الاقتصادية الكبرى، لفهم كيف سيعاد تشكيل النظام التجاري العالمي في السنوات المقبلة.