خبير في الإسكوا: التغيير المناخي قد يُطيح 14% من الناتج المحلي العربي بحلول 2050
(النهار)-18/07/2025
تفرض التغيرات المناخية المتسارعة التي تشهدها الأرض على الدول العربية تحديات معقدة تتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهتها. للحديث عن تلك التحديات حاورت “النهار” المسؤول الأول عن الشؤون الاقتصادية في إدارة الموارد المائية وتغير المناخ في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) الدكتور طارق صادق، الذي سلّط الضوء على أبرز الصعوبات التي تواجه المنطقة، والدور الذي تلعبه الإسكوا، إلى جانب المبادرات العربية في هذا المجال.
شح الموارد المائية وتأثيره على الأمن الاقتصادي
أوضح صادق أن المنطقة العربية تُعد من أكثر مناطق العالم شحاً في الموارد المائية، وتعتمد في معظم الأحيان على مصادر غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام المياه في الزراعة، وخلط مياه الصرف بالمياه العذبة لزراعة محاصيل تتحمّل نسب ملوحة مرتفعة.
وأضاف أن التغير المناخي يزيد من حدة هذه الأزمة، مشيراً إلى أن ارتفاع درجات الحرارة – بحسب إسقاطات مبادرة “ريكار” التابعة للإسكوا – قد يتراوح بين درجتين وخمس درجات مئوية بحلول عام 2050، في حال لم يتم الحد من الانبعاثات الناتجة من النشاطات البشرية.
وحذّر صادق من أن هذه التحولات المناخية قد تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بنسبة تصل إلى 14% بحلول عام 2050 نتيجة تفاقم شحّ المياه، وهو رقم كبير بالنسبة إلى منطقة تعاني أساساً من أزمات سياسية واقتصادية متشابكة، فضلاً عن تزايد مستويات المديونية التي تجاوزت 1.6 تريليون دولار خلال العامين الأخيرين.
مبادرة “ريكار”: قاعدة علمية لبناء السياسات المناخية
على صعيد الجهود العلمية والمؤسسية، تحدّث صادق عن مبادرة “ريكار” التي أطلقتها الإسكوا قبل نحو 15 عاماً، وتهدف إلى تقييم آثار تغير المناخ على الموارد المائية، وعلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها. وتشارك في هذه المبادرة جميع الدول العربية التي تُزودها الإسكوا بنتائج علمية دقيقة تُستخدم في صوغ السياسات والاستراتيجيات الوطنية للتكيّف مع آثار المناخ.
وتشمل التوصيات الناتجة من هذه الدراسات أهمية تغيير التركيب المحصولي في بعض المناطق، واختيار محاصيل أكثر تحملاً للجفاف والملوحة، فضلاً عن تعزيز قدرات الدول في حماية الأراضي الرطبة التي تتأثر بشدة نتيجة موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
الظواهر المناخية الحادة وكلفتها الاقتصادية
ولفت صادق إلى أن العواصف الرملية والترابية أصبحت من أبرز ملامح التغير المناخي في المنطقة، متوقعاً ازديادها إلى نحو 50 يوماً في السنة بحلول منتصف القرن. وقدّر أن العراق وحده يخسر نحو مليار دولار سنوياً بسبب هذه الظواهر، فيما تصل الكلفة على مستوى غرب آسيا كله إلى نحو 150 مليار دولار سنوياً، كون هذه العواصف عابرة للحدود وتؤثر على مختلف القطاعات الحيوية، من البنية التحتية إلى الصحة والزراعة.
مبادرات عربية رائدة: السعودية والإمارات نموذجين
واستعرض صادق بعض أبرز المبادرات العربية في مجال مواجهة التغير المناخي، وفي مقدمتها مبادرة “السعودية الخضراء” التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، ضمن إطار أوسع لمبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” التي تسعى إلى زراعة 50 مليار شجرة بالتعاون مع الدول العربية.
وأوضح أن هذه المبادرات تركّز على إنشاء أحزمة خضراء حول المدن والمسطحات المائية، لحمايتها من التلوث ومن ردم الطرق خلال العواصف الرملية. أما في دولة الإمارات، فهناك مبادرة لإعادة تشجير أشجار “المانغروف” على سواحل الخليج، والتي تلعب دوراً مهماً في صدّ ارتفاع منسوب مياه البحر، والحفاظ على البيئة البحرية والتنوع البيولوجي.
دور الإسكوا في تمويل المناخ وبناء القدرات
وأكد صادق أن الإسكوا لا تكتفي بتقديم الدعم الفني والعلمي، بل تعمل أيضاً على دعم الدول في الحصول على التمويل اللازم من خلال مساعدتها في إعداد مشاريع قابلة للتمويل، وتدريب الكوادر المحلية على صوغ هذه المشاريع وفق معايير مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق المناخ الأخضر.
وضرب مثالاً مشروعاً في دلتا النيل في مصر، يهدف إلى إقامة حائط صد في الساحل الشمالي لحماية نحو 20 مليون مواطن من تبعات ارتفاع منسوب البحر بمقدار نصف متر.
كما أشار إلى المبادرات المتقدمة في المغرب في مجال الطاقة المتجددة، والتي تمثل نموذجاً ناجحاً للتحول في قطاع الطاقة والمساهمة في التخفيف من الانبعاثات الكربونية.
في المحصّلة، تقف الدول العربية عند مفترق طرق حاسم في مواجهة تغير المناخ، والتحديات، وإن كانت كبيرة، لا يمكن التصدي لها إلا من خلال تعاون إقليمي فعّال، وتمويل مستدام، وتخطيط استراتيجي قائم على المعرفة العلمية. فالمستقبل المناخي للمنطقة العربية يعتمد على ما يُبذل اليوم من جهود جادة في التكيّف والتخفيف.