دول الخليج تحافظ على إستراتيجية التوسّع في آسيا
(القبس)-23/05/2025
أطلق الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تصريحات لافتة خلال زيارته للرياض، حين قال: «لقد بدأنا العصر الذهبي لأمريكا، ويمكن أن يسير العصر الذهبي للشرق الأوسط جنباً إلى جنب معنا».
وجاءت تصريحات ترامب مصحوبة بصفقات ضخمة، يصعب على أي رئيس أمريكي آخر مضاهاتها، إذ تعهدت السعودية باستثمارات تبلغ 600 مليار دولار، وقطر 400 مليار دولار، والإمارات 200 مليار دولار كدفعة أولى من التزام إماراتي، يصل إلى 1.4 تريليون دولار، للاستثمار في أمريكا على مدى عشر سنوات.
تركّز معظم هذه الاستثمارات في قطاعات الدفاع، والطاقة، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وهي مجالات تقودها شركات أمريكية كبرى، وتتوافق مع خطط دول الخليج لتنويع اقتصاداتها ما بعد النفط.
التوجّه نحو آسيا
وأفادت مجلة «ميد»، في تقرير حديث، بأنه رغم التوسع في الاستثمارات الأمريكية، فإن دول الخليج لم تتخلَّ عن إستراتيجياتها المدروسة منذ سنوات لتعزيز الشراكة مع آسيا، وبالأخص الاقتصادات الصاعدة كالصين والهند ودول جنوب شرق آسيا.
ففي مايو 2024، زار رئيس الإمارات محمد بن زايد الصين، مما شكّل محطة رئيسية في العلاقات الثنائية، دفعت مركز «آسيا هاوس»، لوصفها بأنها «أهم تبادل سياسي ثنائي لذلك العام».
تشهد العلاقة الخليجية – الآسيوية نمواً مطّرداً في حجم الاستثمارات المتبادلة، خاصة من خلال الصناديق السيادية في الجانبين، ومن المتوقع أن يتزايد الزخم في السنوات المقبلة.
في أكتوبر الماضي، وقّع صندوق الاستثمارات العامة السعودي وهيئة النقد في هونغ كونغ مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري مشترك بقيمة مستهدفة مليار دولار. يهدف الصندوق للاستثمار في قطاعات الصناعة، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المالية، والرعاية الصحية، مع دعم توطين الشركات المرتبطة بمنطقة غريتر باي الصينية.
وفي يناير 2025، أكد رئيس الاستثمارات الآسيوية في شركة مبادلة الإماراتية، محمد البدّر، خلال مؤتمر UBS في شنغهاي، التزام الشركة مضاعفة استثماراتها في آسيا بحلول عام 2030، معتبراً أن آسيا تمثل فرصة إستراتيجية لنمو مستدام وابتكار طويل الأمد.
موجة استثمارات ثنائية
وأشارت «ميد» إلى أن العقد الأخير شهد تدفقات كبيرة من الاستثمارات الصينية في مشاريع الطاقة المتجددة بالخليج. ففي عام 2016، وقّعت شركة أكوا باور السعودية مذكرة تفاهم مع صندوق «طريق الحرير» الصيني، للمشاركة في مشاريع طاقة بالمنطقة، بما في ذلك استثمار في مشروع حصيان في دبي، واستحواذ على حصة %24 من نور إنرجي 1.
وفي 2021، استحوذ الصندوق الصيني على %49 من «أكوا باور رينيوكو»، الشركة المالكة لمشاريع طاقة متجددة في الإمارات والشرق الأوسط.
على الطرف الآخر، ضاعفت كل من أكوا باور وشركة مصدر الإماراتية من استثماراتهما في الصين ودول جنوب شرق آسيا. وتخطط «أكوا باور» لاستثمار 30 مليار دولار في الصين، كجزء من هدفها لرفع أصولها إلى 250 مليار دولار عالمياً.
أما «مصدر» فقد دشنت مشروعاً عائماً للطاقة الشمسية في إندونيسيا بقدرة 145 ميغاواط، قابل للتوسع إلى 500 ميغاواط، كما وقّعت اتفاقية مع ماليزيا لتطوير مشاريع طاقة بقدرة 10 غيغاواط، واتفاقًا آخر في الفلبين لتطوير مشاريع نظيفة بقدرة 1 غيغاواط بحلول 2030.
قطاعات قيد الاستهداف
ولفتت «ميد» إلى أن الاستثمارات الخليجية في آسيا توسّعت، لتشمل قطاعات مثل العقارات، والتعدين، والتكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي.
وفي نوفمبر 2024، وقّع صندوق First APAC VCC السنغافوري مذكرة تفاهم لاستثمار 5 مليارات درهم (1.3 مليار دولار) في شركة التطوير العقاري الإماراتية AMIS Development.
كما وقّعت شركة سلال الإماراتية، المختصة بالأغذية والتكنولوجيا الزراعية، شراكة إستراتيجية مع مجموعة شوغوانغ الصينية، لاستثمار أكثر من 120 مليون درهم في مشروع مشترك لتطوير 100 ألف متر مربع من المنشآت الزراعية المتقدمة في مدينة العين.
البنوك الآسيوية أيضًا دخلت على خط التمويل، حيث بدأت في دعم البنوك الخليجية لمواكبة الطفرة العمرانية في السعودية.
ويقول مستشار مالي رفيع إن حجم التمويل المطلوب للمشاريع السعودية ضخم جداً، لدرجة أن البنوك المحلية قد تواجه مشاكل سيولة، مما يدفع البعض لإحياء فكرة التمويل عبر وكالات ائتمان الصادرات الأجنبية لتقليل المخاطر.
آفاق النمو التجاري
وفقًا لمركز Asia House، تدفع برامج تنويع الاقتصاد الخليجي عجلة النمو غير النفطي، مما يوفر فرصاً لشركات آسيوية في مجالات الإنشاءات، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والخدمات المالية.
وأضاف المركز أن العلاقات التجارية بين الخليج وآسيا مرشحة للوصول إلى 682 مليار دولار بحلول عام 2030، إذا استمرت بمعدل النمو السنوي الحالي البالغ %7.1.
ورغم تراجع التبادل التجاري الخليجي – الآسيوي في 2023 (انخفاض التجارة السعودية – الصينية بنسبة %7.6، والإماراتية – الصينية بنسبة %15.5)، فإن العلاقات الإستراتيجية تعمقت، خصوصاً بعد دعوة السعودية والإمارات للانضمام إلى مجموعة بريكس.
فن توزيع الاستثمارات
أكد التقرير أن الصفقات الضخمة، التي وُقعت في الرياض والدوحة وأبوظبي، قد تجعل من الصعب التنبؤ بموعد تفوق الاستثمارات الخليجية في آسيا على نظيرتها مع الولايات المتحدة أو الغرب. لكن المؤكد أن دول الخليج باتت تتقن فن توزيع استثماراتها على جغرافيات وقطاعات إستراتيجية، لتحقيق عوائد ثابتة، وتحقيق الاستدامة، ومواجهة التحديات الجيوسياسية.
من جهتها، بدأت الدول الآسيوية، خصوصاً القوى الصاعدة، في اعتماد الإستراتيجية نفسها على نطاق متباين، لضمان تحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية.