دول الخليج تسابق الزمن لاقتناص التمويل
(القبس)-07/10/2025
قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير حديث إن دول الخليج سارعت إلى إصدار ديون دولية، مع تراجع تكاليف اقتراضها مقارنة بعوائد سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات تُعد من الأدنى تاريخيًا.
وأوضحت الصحيفة أن السعودية وشركاتها الحكومية، إلى جانب الكويت وأبوظبي والبحرين، أصدرت أكثر من 27 مليار دولار من السندات والصكوك المقومة بالدولار خلال شهر سبتمبر، في ما وصفه المصرفيون والمستثمرون بأنه «أنشط شهر منذ سنوات» في أسواق الدين العالمية.
وأضاف التقرير أن الدول الخليجية تسعى إلى الاستفادة من انخفاض العلاوات التاريخي على تكاليف الاقتراض الأمريكية، واستغلال الطلب القوي من المستثمرين على العوائد المرتفعة نسبيًا، في وقت يراهن فيه المتعاملون على أن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي سيواصل خفض أسعار الفائدة بعد تقليصها ربع نقطة مئوية الشهر الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، قولها: «تحرك الجميع فور أن أعاد سوق السندات تسعير توقعاته ليأخذ في الاعتبار مزيدًا من خفض الفائدة من جانب الفدرالي».
كما نقلت عن كارلا سليم، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك ستاندرد تشارترد، قولها إن «دول مجلس التعاون الخليجي ما زالت تتمتع بمستويات معتدلة إلى منخفضة من الديون، مدعومة بتصنيفات ائتمانية قوية وأصول سيادية ضخمة»، مضيفة أن الأموال التي تجمعها هذه الدول تُستخدم لدفع جهود تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط.
التنويع الاقتصادي
وأكد تقرير فايننشال تايمز أن الدول الخليجية تركز على تمويل خطط التنويع الاقتصادي في ظل تأثرها بتراجع أسعار النفط، مشيرًا إلى أن بعض الدول مثل أبوظبي «مرتاحون لمستويات الأسعار الحالية للنفط، لكنهم يسعون إلى تنويع مصادر التمويل طالما تكاليف الاقتراض منخفضة».
ولفتت الصحيفة إلى أن الكويت عادت إلى سوق السندات بعد غياب دام ثماني سنوات بسبب خلافات حول صلاحيات إصدار الديون. وأوضحت أن قرارات سيادية مهدت الطريق لإقرار قانون الدين العام ورفع سقف الاقتراض.
ووفق التقرير، باعت الكويت 11.25 مليار دولار من السندات لأجال ثلاث وخمس وعشر سنوات، بفروق تراوحت بين 0.4 و0.5 نقطة مئوية فوق عوائد سندات الخزانة الأمريكية المماثلة.
أما أبوظبي، فقد باعت الأسبوع الماضي سندات لأجل عشر سنوات بقيمة ملياري دولار بفارق لا يتجاوز 0.18 نقطة مئوية فوق السندات الأمريكية، وهو أدنى هامش في تاريخ الأسواق الناشئة لهذه المدة، ورابع أدنى هامش لأي جهة إصدار سيادية على الإطلاق.
وفي المقابل، لجأت البحرين – صاحبة أدنى تصنيف ائتماني في الخليج وأعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي (نحو %130) – إلى الأسواق الدولية أيضًا، وأصدرت سندات لأجل ثماني واثنتي عشرة سنة بفارق 2.5 نقطة مئوية.
بيع الصكوك
وأشارت فايننشال تايمز إلى أن السعودية كانت أكبر المُصدرين، إذ باعت صكوكًا بقيمة 5.5 مليارات دولار في سبتمبر، إلى جانب خمسة مليارات دولار أصدرتها شركتها النفطية العملاقة وصندوقها السيادي.
وأضافت الصحيفة أن المملكة أصدرت هذا العام نحو 20 مليار دولار من الديون المقومة بالدولار واليورو، لتنافس المكسيك التي أصدرت سندات لتمويل إنقاذ شركتها النفطية الحكومية، كأكبر عملية إصدار في الأسواق الناشئة.
وقالت الصحيفة إن السعودية تواجه اتساعًا في عجز الموازنة والحساب الجاري مع استمرارها في تمويل مشاريع التنمية الضخمة في ظل أسعار نفط منخفضة، وهو ما يعكسه حجم مبيعاتها من السندات.
ومع ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي دعم الشهر الماضي صفقة استحواذ بقيمة 55 مليار دولار على شركة الألعاب الأمريكية «إلكترونيك آرتس»، في دلالة على القوة المالية للمملكة وقدرتها الاستثمارية.
تراجع الإنفاق على مشروعات العملاقة
أورد التقرير أن السعودية تراجع الإنفاق على بعض مشروعاتها العملاقة، مثل المدينة المستقبلية «ذا لاين»، إلا أن بيان ما قبل الموازنة الصادر الأسبوع الماضي عن وزارة المالية كشف أن الرياض تخطط لزيادة حجم ديونها لتمويل إنفاق حكومي أعلى من المتوقع.
وبيّن التقرير أن الوزارة كانت قد قدرت العجز المالي لعام 2025 عند %2.3 من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها الآن تتوقع أن يرتفع إلى %5.3، أي أكثر من الضعف مقارنة بالعام الماضي.
النهج التوسعي أكثر كلفة
نقلت الصحيفة عن مونيكا مالك مجددًا قولها: «الطلب على ديون السعودية لا يزال قويًا، إذ تبقى مستويات الدين منخفضة جدًا بالمقاييس العالمية»، لكنها حذّرت قائلة إن «قدرة المملكة على مواصلة هذا النهج التوسعي المالي ستصبح أكثر كلفة في المستقبل إذا استمر الدين في الارتفاع بالمعدل الحالي الحاد».