دول الخليج تكرّس صدارتها في عالم الصناديق السيادية
(القبس)-20/06/2025
تشهد صناديق الثروة السيادية نهضة عالمية بارزة خلال السنوات الأخيرة، وسط تسارع وتيرة تأسيس صناديق جديدة وارتفاع قيمة الأصول المدارة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغت نحو 12 تريليون دولار بنهاية 2024، وسط توقعات بتجاوز 18 تريليون دولار بحلول 2030.
وقال تقرير صادر عن شركة ديلويت، إنه بالرغم من هذا النمو العالمي، فإن دول الخليج تبقى في الصدارة، حيث تستحوذ على نحو %40 من إجمالي أصول الصناديق السيادية العالمية، وتضم ستة من أكبر عشرة صناديق على مستوى العالم. فقد سجلت الصناديق الخليجية استثمارات بقيمة 82 مليار دولار في 2023، و55 ملياراً إضافية خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024، وفق بيانات منصة Global SWF.
طفرة عالمية
وأشار التقرير إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تأسيس صناديق جديدة في دول متقدمة، كإيرلندا، والبرتغال، وبريطانيا، وأخرى نامية مثل كينيا، باكستان، ومصر. إلا أن هذه الصناديق غالباً ما تسعى لأهداف محلية، كتمويل البنية التحتية أو دعم الميزانيات العامة، بدلاً من منافسة الصناديق الخليجية الضخمة على الاستثمار الخارجي.
وأضاف: «رغم التوسع الجغرافي، تظل الصناديق الخليجية الأكثر نشاطاً دولياً، مستفيدة من الفوائض المالية النفطية، ومن قدرتها على تنفيذ صفقات كبيرة في أسواق متعددة».
تنافس داخلي وكيانات جديدة
وأوضح التقرير أنه بالتوازي مع تنامي المشهد العالمي، تشهد دول الخليج نفسها بروز كيانات موازية أو مكملة للصناديق السيادية التقليدية. وتشير تقديرات إلى أن «المكاتب الملكية الخاصة» تدير ما يفوق 500 مليار دولار في المنطقة.
ففي دبي، تأسس «صندوق دبي للاستثمار DIF» لإدارة استثمارات حكومية إستراتيجية، بينما عززت «رويال غروب» في أبوظبي نشاطها، من خلال إطلاق كيان 2PointZero. وتجمع هذه الكيانات بين أهداف تنموية داخلية وطموحات استثمارية خارجية، مما يعزز التنافس حتى داخل الدولة الواحدة.
تحسين الأداء ودمج الكيانات
ولفت التقرير إلى أنه مع تزايد المنافسة وانخفاض أسعار النفط، تواجه الصناديق الخليجية ضغوطاً كبيرة لرفع الكفاءة وتحقيق عوائد أعلى. وهو ما دفعها لتشديد الرقابة على استثماراتها، وإعادة هيكلة محافظها.
ففي السعودية، قام صندوق الاستثمارات العامة بدمج شركات عدة، مثل توحيد شركتي تشغيل الأبراج في أبريل، ودمج «سفن» و«القدية» في مايو، ويدرس حالياً الاستحواذ على «الخطوط الجوية السعودية» ضمن خطة لإعادة هيكلة قطاع الطيران.
آسيا في قلب الإستراتيجية
وأفاد تقرير شركة ديلويت بأن بوصلة الاستثمارات الخليجية تحولت تدريجياً نحو الأسواق الآسيوية، خصوصاً الصين والهند وأندونيسيا. فبعد سنوات من التركيز على أوروبا وأمريكا الشمالية، بدأت الصناديق بفتح مكاتب إقليمية في آسيا لتسهيل تنفيذ الصفقات.
وأنشأ جهاز أبوظبي للاستثمار كياناً استثمارياً في ولاية غوجارات الهندية، كما عيّن خبراء ماليين صينيين لقيادة عملياته في بكين. أما جهاز قطر للاستثمار فقد عزز وجوده في اليابان وأستراليا وسنغافورة. وبدوره، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة مكتباً في هونغ كونغ، ويخطط لفتح مكاتب في مدن صينية أخرى.
وأضاف التقرير أن الصناديق الخليجية استثمرت ما يُقدّر بـ9.5 مليارات دولار في الصين، خلال السنة المنتهية في سبتمبر 2024، وفقاً لبيانات «غلوبال SWF»، وهو ارتفاع حاد مقارنة بالتدفقات السابقة. وقد جاءت كل من جهاز أبوظبي للاستثمار ADIA، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية، هذا العام ضمن قائمة أكبر عشرة مساهمين في الشركات المدرجة ضمن سوق الأسهم الصينية من الفئة A، على سبيل المثال، كما زادتا بشكل كبير من مخصصاتهما للاستثمار في البر الرئيسي الصيني.
معركة الكفاءات
وبيَّن التقرير أن الزخم الاستثماري يترافق مع سباق محموم على استقطاب المواهب. ويعمل حالياً أكثر من 9 آلاف موظف في الصناديق السيادية الخليجية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى الكفاءات المحلية والعالمية.
وباتت الصناديق تستقطب خبراء دوليين من مؤسسات عريقة، مثل «تيماسيك» السنغافورية و«مابل إيت» الكندية، مع تقديم حوافز مالية ومهنية مغرية. ففي 2024، عيّن جهاز أبوظبي للاستثمار التنفيذي السابق في «بلاكستون»، ألبرتو سانتولين، لرئاسة وحدة الاستثمارات البديلة، كما استقطب أكثر من 100 موظف دولي لتشكيل فريق استثماري متخصص.
بالتوازي، تُلزم بعض الحكومات شركات الاستشارات العالمية بنقل مقارها الإقليمية إلى الخليج، إذا أرادت التعاقد مع الصناديق السيادية، كما فعلت السعودية، بينما ضخت أبوظبي رأسمالاً في شركات إدارة أصول بشرط افتتاح مكاتب فعلية، ضمن «سوق أبوظبي العالمي ADGM».
وقد نجحت هذه الإستراتيجية؛ إذ أعلن سوق أبوظبي العالمي عن نمو بنسبة %226 في الأصول المدارة، وارتفاع عدد العاملين إلى 2500 موظف، وتسجيل 141 صندوقاً جديداً حتى منتصف 2025.
موقع القيادة
أكد التقرير أنه مع اشتداد المنافسة، تظل دول الخليج في موقع القيادة في مشهد صناديق الثروة السيادية العالمي. ويعود ذلك إلى مزيج من الموارد الضخمة، والإستراتيجيات التوسعية الجريئة، والقدرة على تحمّل المخاطر. لكن التحديات ليست بعيدة، من أبرزها التقلبات الجيوسياسية، وتذبذب أسعار الطاقة، واحتدام المنافسة على الكفاءات. وفي مواجهة هذه التحديات، يُتوقع أن تواصل الصناديق الخليجية تحسين حوكمتها، وزيادة مرونتها، وتوسيع حضورها في الأسواق الناشئة.