دول الخليج.. مركز الثقل الجديد للثروات المتنقلة
(القبس)-22/10/2025
دخل قطاع إدارة الثروات مرحلة جديدة من «الاندماج العالمي»، مع تحول شكل المنافسة بين المؤسسات نحو الاستفادة من التنقّل عبر الحدود، والتوسع الرقمي، وإتاحة فرص الاستثمار البديلة أمام شريحة أوسع من العملاء، إذ إن هذه التحولات تشكّل «إعادة معايرة شاملة» للنظام البيئي العالمي للثروات.
أشار تحليل، نشرته مجلة «ميد»، استناداً إلى بيانات شركة الأبحاث البريطانية GlobalData، إلى أن تغيّرات في السياسات الضريبية والهجرية لم تكن مقصورة على الأسواق التقليدية فقط، بل امتدت إلى حكومات لطالما اعتُبرت خارج دائرة التنافس على الثروات.
على سبيل المثال، قرّرت نيوزيلندا رفع بعض القيود عن المشتري الأجنبي للمنازل، إذ سيُسمح لحاملي التأشيرات الذهبية ابتداءً من أواخر عام 2025 بشراء أو بناء منزل فاخر بقيمة تصل إلى 5 ملايين دولار نيوزيلندي (نحو 2.9 مليون دولار أمريكي)، بعد أن كانت القيود قد فُرضت منذ عام 2018. الهدف من هذه الخطوة ـ بحسب التقرير ـ جذب المهاجرين ذوي الملاءة المالية العالية من الصين والولايات المتحدة وربط الاستثمار العقاري بالإقامة.
في الوقت نفسه، لفت التقرير إلى أن دول الخليج تنتقل من مجرد الحوافز إلى بناء أنظمة مترابطة تربط الاستثمار بالإقامة، كما في الإمارات والسعودية وعُمان. ففي عُمان مثلاً، تمّ تخفيض عتبة الاستثمار إلى مليوني ريال عُماني (نحو 5.2 ملايين دولار) كمؤهل للحصول على إقامة ذهبية لمدة 10 سنوات، وذلك في تعديلٍ أُقرّ في أغسطس 2025. هذا التوجّه ـ بحسب التقرير ـ يجعل الخليج مركزاً يجذب الثروات المتنقلة دولياً.
التقرير يبيّن أن الطلب على التخطيط المالي والاستثماري عبر الحدود يصبح أكثر تعقيداً، إذ لا يقتصر على إدارة الأصول بل يمتد إلى خدمات متكاملة تشمل الهجرة، والعقارات، والضرائب، في ظل تزايد التنقّل العالمي للثروات.
تعزيز المراكز الإقليمية للثروات
تُظهِر بيانات التقرير أن منطقة دول الخليج تشهد نمواً مطرداً في الثروات المالية. فوفقاً لتقرير Boston Consulting Group (BCG)، من المتوقع أن تنمو ثروات الأفراد في المنطقة بمعدل نحو %4.7 سنوياً حتى تصل إلى 3.5 تريليونات دولار بحلول عام 2027.
وفي سياق بناء منظومة شاملة، أطلقت Dubai Multi Commodities Centre (DMCC) في سبتمبر 2025 مبادرة «DMCC Wealth Hub»، لدعم مكاتب العائلات والشركات الخاصة وشركات الاستشارات، التي ترغب بإيجاد موطئ قدم لها في دبي. وتقدّم المبادرة دعماً لحوكمة الثروات، والتخطيط الوارِث، والتوجيه الاستثماري، ضمن استراتيجية دبي لتصبح مقراً عالمياً لمقرات إدارة الثروات.
التقرير يستشهد أيضاً بصفقة استحواذ قامت بها شركة Rothschild & Co – إذ استحوذت على قاعدة عملاء مصرف ليختنشتاين للبنك الإقليمي في الإمارات، وما يُقدّر بـ1.25 مليار دولار في أصول تحت الإدارة، مما يعكس عملية الطّرد لندّية اللاعبين الدوليين في أسواق الشرق الأوسط.
التحوّل نحو الاستشارات الرقمية
ألقى التقرير الضوء على أن أسواق الثروات الناضجة تشهد تحوّلاً نحو المنصّات الرقمية، كميزة تنافسية للحفاظ على العملاء والمستشارين الماليين المستقلين.
في المملكة المتحدة، تعاونت شركة AJ Bell مع Mabel Insights لإطلاق أدوات جديدة للمستشارين، تشمل مقارنة المحافظ، ونمذجة التدفقات النقدية، وتقييم المخاطر، مما يدلّ على تصاعد المنافسة نحو «الولاء بالمستشار».
وفي الشرق الأوسط، وفقاً لمنتدى WealthThink Middle East 2025، تقوم البنوك الخاصة ومديرو الثروات بتركيز جهودهم على التقارير المتكاملة، والتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والشخصنة الفائقة، استجابة لتوقعات العملاء بأن «يروا كل شيء» من مقصورتهم – أي جميع فئات الأصول مجمّعة في رؤية واضحة.
وصول ديموقراطي إلى الأسواق البديلة
أيضاً، يشير التقرير إلى أن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) أزالت بعض القيود، التي كانت تمنع المستثمرين الأفراد من الوصول إلى الصناديق الخاصة، التي تستثمر أكثر من %15 في الأصول الخاصة. بهذه الخطوة، أصبح بإمكان شريحة أوسع من المستثمرين الأمريكيين الوصول إلى إستراتيجيات الأسهم الخاصة، والائتمان، والهيج ستايليست، من خلال هياكل شبه سائلة منظمة.
بحسب بيانات GlobalData، فإن %22.4 من المستثمرين الأمريكيين يختارون مقدم الخدمة الاستثماري أساساً بسبب إتاحة نطاق واسع من المنتجات الاستثمارية، مما يجعل هذه التغييرات واسعة الأثر.
لكن التقرير يحذّر من أنّ «التعليم الاستثماري» (investor education) سيُعدّ عاملاً حاسماً، إذ يجب على مقدّمي الخدمات توضيح شروط السيولة، والرسوم، والمخاطر، خصوصاً مع دخول مستثمِرين أقل خبرة إلى هذه الفئات، التي كانت حكراً على ذوي الثروات العالية.
في الشرق الأوسط، يُلحظ أن مكاتب العائلات والمستثمرين الإقليميين أبدوا اهتماماً متزايداً بأسواق البدائل، لا سيما في الهياكل المتوافقة مع الشريعة، مما قد يسرّع إطلاق صناديق بديلة محلية وصناديق تغذية (feeder vehicles) مؤهّلة محلياً.
الموجة المقبلة للنمو
خلص التقرير إلى أن إدارة الثروات في عام 2025 تتحدد بشكل متزايد من خلال التكامل: عبر الأسواق، ونماذج الاستشارة، وفئات الأصول. وتؤكد GlobalData أن المؤسسات، التي تجمع بين المصداقية التنظيمية، وفهم تدفّقات الثروات العابرة للحدود، وقدرات تقنية متطورة، ستكون في أفضل موقع لتحويل هذه التحولات الهيكلية إلى علاقات عملاء دائمة.
وأضاف التقرير أن المنافسة المقبلة في هذا القطاع «لن تعتمد فقط على تنوّع المنتجات، بل على مدى سلاسة قدرة المؤسسات على ربط العملاء بالفرص عبر الحدود». بمعنى آخر، لم تعد «ماذا لديك؟» هي السؤال الأهم، بل «كيف توصّل هذا العميل إلى ما لديه؟» سيكون معياراً للتميّز.
لماذا هذا يُعدّ نقطة تحوّل؟
1 – يمثّل تحوّلاً من إدارة ثروات محليّة إلى إدارة ثروات عالمية، حيث أصبح العملاء أكثر تنقّلاً دولياً، والمنتجات عبر الحدود أكثر سهولة، والأطُر التنظيمية أكثر تراجعاً عن حواجزها التقليدية.
2 – يضع الشرق الأوسط، خصوصاً الخليج، في قلب «سباق الثروات»، إذ تتنافس الدول لاحتضان مكاتب العائلات والثروات المتحركة.
3 – يُعيد تشكيل العلاقة بين المستثمر والمستشار: من علاقة شخص – شخص، إلى علاقة مدعومة بتكنولوجيا، بيانات، وتكامل أوسع.
4 – يفتح سوقاً جديداً لمقدمي الخدمات الاشتقاقية والاستشارية، ليس فقط لذوي الثروات العالية التقليدية، بل لشريحة أوسع من المستثمرين الجدد.
معالجة التحديات
رغم الفرص، يشير التقرير إلى تحديات رئيسية عدّة:
1 – تنظيميّاً، فالتنقّل عبر الحدود يحمل تعقيدات في الضرائب، والامتثال، والمنافسة بين السلطات.
2 – من جهة الكفاءة التقنية، تحتاج المؤسسات إلى تحديث بنيتها التحتية، وتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي والتحليلات.
3 – من جهة تغيير سلوك العملاء: فارتفاع توقعاتهم بالتخصيص، والشفافية، والرؤية الموحدة، يتطلّب تغيّراً جوهرياً في طريقة تقديم الخدمات.