صناديق الثروة السيادية تدخل عصراً جديداً
(القبس)-04/03/2025
أصبحت صناديق الثروة السيادية، التي تديرها الدول في مختلف بقاع العالم، بمنزلة عمالقة مالية في القرن الحادي والعشرين، حيث امتدت عبر الحدود لإعادة تشكيل الاقتصادات. وعلى هذا المسرح الصاخب، تعتبر هذه الصناديق أدوات متجذرة تاريخياً في الدول النفطية، مثل الكويت والنرويج والامارات والسعودية وغيرها.
ومع ذلك، فإن المشهد الاقتصادي اليوم يرسم صورة أكثر تفصيلاً، حيث تتطور هذه الكيانات، وتنتقل من مديري الأصول إلى قوى هائلة، تشمل قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والسياحة، وما إلى ذلك.
على مستوى العالم، تسعى صناديق الثروة السيادية إلى مشاريع واعدة في التقنيات الإستراتيجية ومراكز النمو الإقليمية. وفي الوقت نفسه، تتطلع الولايات المتحدة إلى إمكانية إنشاء صندوق سيادي خاص بها، مما يعكس طموحاتها لدعم أمنها الوطني من خلال الاستثمارات الإستراتيجية. وهذا يشير إلى التحرك نحو استخدام رأس المال العام لمصلحة الدولة، مما يعكس الاتجاهات التي شوهدت في الأسواق الرئيسية في جميع أنحاء العالم.
ويرى تقرير حديث على موقع «جومفرولاند» النرويجي أن جوهر صناديق الثروة السيادية يكمن في قدرتها على الاستفادة من الفوائض المالية للدولة – سواء من السلع الأساسية أو الاحتياطيات الأجنبية أو عائدات الضرائب المزدهرة – نحو مشاريع إستراتيجية توسعية، إذ يعتمد نجاحها المتنوع بشكل كبير على الحوكمة الشفافة والإدارة المستقلة.
الإستراتيجية الجيوسياسية
وبيَّن التقرير أن صناديق الثروة السيادية تطرح أسئلة تتعلق بالإستراتيجية الجيوسياسية والتأثير الاقتصادي. ومع توسيع نطاقها، تعمل على تضخيم ديناميكيات القوة، مما يدفع إلى توجه حذر للاستثمار والدبلوماسية على المسرح العالمي، حيث يراقب العالم هذه الصناديق، باعتبارها مؤثرة جداً في المشهد المالي العالمي، وتؤثر على الاقتصادات والقطاعات الإستراتيجية في جميع أنحاء العالم. وفي السنوات الأخيرة، توسعت أدوارها بشكل كبير، وانتقلت من إدارة الأصول إلى المشاركة النشطة في الصناعات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء والبنية الأساسية.
رؤى وتوقعات رئيسية
حدَّد التقرير أبرز الرؤى والتوقعات الرئيسية للصناديق السيادية في مختلف دول العالم على الشكل التالي:
1 – أصول وأهداف متنوعة
منذ تأسيسها في الدول الغنية بالنفط، مثل الكويت والنرويج، قامت صناديق الثروة السيادية بتنويع مصادر ثروتها، بما في ذلك احتياطيات النقد الأجنبي والموارد الطبيعية وفوائض الميزانية. وقد أدى هذا التنوع إلى ظهور إستراتيجيات استثمارية مختلفة، مما مكَّن البلدان من تكييف الأموال بما يتناسب مع ظروفها الاقتصادية الفريدة وأهدافها الإستراتيجية.
2 – الشفافية والحوكمة
في حين تتمتع صناديق الثروة السيادية بإمكانات هائلة، لا تزال المخاوف بشأن الحوكمة والشفافية قائمة. ويسلط المنتقدون الضوء على خطر التدخلات، الذي قد يطغى على الأهداف المالية، في وقت يمكن أن يساعد التعلم من النماذج الناجحة، التي تحظى بالثناء على نزاهتها وكفاءتها، في التخفيف من هذه القضايا.
3 – النفوذ الجيوسياسي والإستراتيجي
تمارس صناديق الثروة السيادية نفوذاً جيوسياسياً كبيراً، يعكس غالباً المصالح الإستراتيجية لبلدانها. ويمكن لخياراتها الاستثمارية أن تشكِّل الصناعات العالمية وتؤثر على العلاقات الدولية. على سبيل المثال، قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي باستثمارات رفيعة المستوى لتنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط.
4 – المشاريع المستدامة والابتكار التكنولوجي
تركّز صناديق الثروة السيادية بشكل متزايد على المشاريع المستدامة بيئياً والابتكار التكنولوجي. ويتماشى هذا التحول مع الأولويات العالمية، مثل التخفيف من آثار تغيّر المناخ والتحول الرقمي. ويمكن للاستثمارات الإستراتيجية للصناديق أن تدفع بالمرونة الاقتصادية والاستدامة على المدى الطويل.
خطوات الاستثمار الإستراتيجي
1 – فهم الأهداف
ضرورة تحديد بوضوح الأهداف الإستراتيجية للصناديق السيادية، سواء كانت تهدف إلى استقرار الاقتصاد، أو دعم قطاعات محددة، أو الاستعداد للتحديات الاقتصادية المستقبلية.
2 – الحوكمة
تطوير أطر حوكمة قوية لضمان المساءلة والشفافية والكفاءة في إدارة الصناديق. ويشمل ذلك عمليات صنع القرار غير المتحيزة لتجنب التأثير السياسي.
3 – تنويع الاستثمارات
توزيع الاستثمارات عبر مختلف القطاعات والمناطق للتخفيف من المخاطر، والاستفادة من الاتجاهات العالمية الناشئة، مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
4 – المراقبة والتكيف
تقييم الاتجاهات الاقتصادية العالمية بشكل مستمر، وتعديل الإستراتيجيات وفقاً لذلك، حيث إن الحفاظ على المرونة سيمكن صناديق الثروة السيادية من الاستجابة بفعالية للتغيرات والفرص الجديدة.
التوافق الإستراتيجي مع الأولويات الوطنية
من المقرر أن تستمر صناديق الثروة السيادية في ممارسة نفوذها على الاقتصاد العالمي، لكن نجاحها سيعتمد بشكل كبير على الحوكمة والتوافق الإستراتيجي مع الأولويات الوطنية، والقدرة على التنقل في بيئات جيوسياسية معقدة، إذ إن فهم هذه العوامل والاستفادة منها يمكن أن يساعد الدول على تسخير أموالها بشكل فعَّال لتحقيق الرخاء على المدى الطويل.
نظرة عامة على الإيجابيات والسلبيات
الإيجابيات
– الاستقرار الاقتصادي: يوفر حاجزاً مالياً أثناء فترات الركود الاقتصادي.
– النمو الطويل الأجل: يسهل الاستثمار الإستراتيجي في الصناعات التي تركز على المستقبل.
– التأثير: يزيد من النفوذ الاقتصادي والسياسي العالمي.
السلبيات
– مشكلات الحوكمة: إمكانية التدخل السياسي والفساد.
– التوترات الجيوسياسية: قد تؤدي الاستثمارات إلى إجهاد العلاقات الدولية.
– الاعتماد على السوق: الاعتماد على قطاعات محددة قد يؤدي إلى الضعف.