صندوق النقد: رفع توقعات النمو بالسعودية يعود إلى توسع القطاع غير النفطي
(العربية)-22/10/2025
قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور، إن دول المنطقة استطاعت الصمود في مواجهة التقلبات الجيوسياسية والتجارية، مؤكدًا أن ارتفاع إنتاج النفط ساهم في تعويض أثر انخفاض الأسعار على دول الخليج.
أشار في مقابلة مع “العربية Business” إلى أن رفع الصندوق لتوقعات النمو الخاصة بالاقتصاد السعودي إلى 4% في عامي 2025 و2026، جاء نتيجة توسع القطاع غير النفطي وزيادة إنتاج النفط، مؤكدًا أن السعودية طورت قطاعات غير نفطية جديدة خلال السنوات الأخيرة.
أكد أزعور أنه لا شك في أن المملكة نفذت خلال السنوات الماضية مجموعة واسعة من الإصلاحات، أسهمت في تطوير قطاعات جديدة غير نفطية وتحسين بيئة الأعمال. كما ضخت المملكة استثمارات كبرى في السوق المحلية، ما عزز قدرتها الإنتاجية والاقتصادية.
وأضاف أن السعودية شهدت خلال السنوات الماضية أكبر نسبة تراجع في معدلات البطالة وارتفاعًا ملحوظًا في مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، وهو ما يعكس نجاح الإصلاحات الهيكلية التي نفذتها المملكة.
أكد أزعور على أن قدرة الاقتصاد السعودي على التحول ورفع الإنتاجية مكّنته من تعزيز النمو وجذب الاستثمارات، متوقعًا أن يواصل الاقتصاد السعودي مسار النمو القوي تدريجيًا مع تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أطلقتها الحكومة.
صمود اقتصادات المنطقة
وقال أزعور إن دول المنطقة “صمدت هذا العام في مواجهة تقلبات كبيرة عالميًا، سواء على صعيد التجارة أو الأسواق المالية أو التطورات الجيوسياسية التي تعاني منها المنطقة”. وأضاف أن “هذه الدول حافظت على مستويات نمو أفضل من التوقعات التي كانت مرصودة في بداية العام، بل وأفضل من معدلات النمو المسجلة العام الماضي، وذلك في عدد كبير من الدول، سواء المصدّرة أو المستوردة للنفط”.
وأوضح أزعور أن عوامل الصمود تمثلت في قدرة هذه البلدان على التكيف مع المتغيرات العالمية، نظرًا لمحدودية علاقاتها التجارية المباشرة مع الولايات المتحدة من جهة، وبفضل بناء قطاع غير نفطي أكثر قوة في الدول المصدرة للنفط من جهة أخرى. كما أشار إلى أن بعض الإجراءات التي اتخذتها الدول المستوردة أسهمت في خفض مخاطر التضخم ودعمت اقتصاداتها في مواجهة التقلبات.
تقلبات أسعار النفط وما هي المستويات التي تدعو للقلق؟
قال أزعور إن الدول المستوردة استفادت من تراجع أسعار النفط، في حين أن الدول المنتجة، خصوصًا في مجلس التعاون الخليجي، عوّضت جزئيًا أثر هذا التراجع من خلال زيادة الإنتاج وفق قرارات “أوبك بلس”. وأوضح أن “ارتفاع إنتاج النفط في بعض الدول الخليجية ساعد في تعويض انخفاض الأسعار، إذ ارتفعت القدرة الإنتاجية بحوالي 1.8 مليون برميل يوميًا، وهو ما عوّض جزئيًا أثر تراجع الأسعار”.
وأضاف أن الأسواق النفطية أظهرت خلال الأشهر الماضية قدرة على التكيف، مشيرًا إلى أن التقلبات التي شهدتها الأسواق في شهر يونيو كانت مؤقتة، وسرعان ما عادت الأسواق إلى الاستقرار. واعتبر أن القطاع غير النفطي في دول الخليج أصبح عنصرًا أساسيًا في تحسين الأداء الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام.
ورداً على سؤال حول المستويات السعرية التي قد تستدعي القلق، أوضح أزعور أن الأمر يختلف من دولة إلى أخرى، فالدول التي تمتلك احتياطيات مالية كبيرة وقطاعًا غير نفطيًا قويًا، ولديها عائدات متنوعة خارج قطاع النفط، قادرة على إدارة هذا التحدي بفعالية، في حين أن الدول ذات القدرات المحدودة ستحتاج إلى إجراءات إضافية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
الاقتصاد المصري
واستعرض مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، الأهداف الرئيسية للبرنامج الاقتصادي المصري، مؤكداً على ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص ومشيراً إلى التقدم المحرز، كما تطرق إلى التداعيات الاقتصادية للأوضاع في غزة على المنطقة.
قال جهاد أزعور: “يركز البرنامج المتفق عليه مع مصر على تحقيق ثلاثة أهداف محورية؛ أولها الاستقرار الاقتصادي والمالي، وذلك من خلال مواجهة مشكلة التضخم وتخفيضها، وحماية مصر من الصدمات الخارجية عبر مرونة سعر الصرف، والعمل على تحقيق الاستقرار المالي بتخفيض العجز”.
وأضاف: “الهدف الثاني، وهو لا يقل أهمية، هو تمكين الاقتصاد المصري من النمو وخلق فرص عمل. وهذا يتطلب دوراً أكبر للقطاع الخاص، ويستوجب توفير مساحة أوسع له، وإعادة النظر في دور القطاع العام”.
وتابع: “أما الهدف الثالث، فهو تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية”.
وأضاف: “هناك تقدم ملموس في مصر، حيث تحسن الوضع الاقتصادي هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وانخفض مستوى التضخم، وارتفعت حركة وانسياب الاستثمار. هذا العنصر مهم جداً”.
وقال إنه “يجب استكمال هذا التقدم بتسريع وتيرة فتح المساحة للقطاع الخاص، من خلال تمكينه من لعب دور أكبر، وأن تكون الدولة هي الداعم وليست المنافس للقطاع الخاص. إن الاستمرار بهذا النهج وتسريعه سيرفع من قدرة وإنتاجية القطاع الخاص، ويعزز قدرة مصر على خلق فرص عمل، ويدعم إمكانيات استقطاب الاستثمار المباشر الخارجي”.
غزة.. تقييم التكاليف وتأثير على اقتصادات المنطقة
وبشأن تكلفة إعادة إعمار غزة وتأثير التطورات الأخيرة على اقتصادات المنطقة، صرح الدكتور أزعور: “مما لا شك فيه أن التطورات الأخيرة هي أحداث في غاية الأهمية على الصعيد الإنساني وعلى صعيد الاستقرار الاجتماعي”.
وأضاف: “يتم العمل حالياً على عملية تقييم الاحتياجات من قبل مجموعة من المؤسسات الدولية، مثل مؤسسات الأمم المتحدة والبنك الدولي، لإحصاء الخسائر والأضرار وتحديد الكلفة المطلوبة لعملية إعادة الإعمار”.
وتابع: “أي تحسن في الوضع السياسي العام وتخفيض مستويات المخاطر له تأثير إيجابي اقتصادياً على الدول المجاورة، فهو يخفف من الانعكاسات السلبية على قطاعات مثل السياحة والتجارة، ويقلل أيضاً من مستوى المخاطر التي عادة ما يأخذها المستثمرون بعين الاعتبار”.
