صندوق النقد يُحذّر لبنان: إلغاء الاتفاق قاب قوسين!
(الدستور)-05/04/2024
لبنان لم يتغيّر، لكن العالم بلى.
وما عاد بإمكان السلطة اللبنانية التي لا تزال تفكر وتعمل وتبني استراتيجياتها الاقتصادية كما الأمس أن “تكذب” وتتملق مجدداً المجتمع الدولي والمنظمات المانحة.
ولأن العالم أيضاً أبلغ المسؤولين اللبنانيين بحزم عبر صندوق النقد الدولي وفي أكثر من مناسبة، مسوّدته الشاملة لجميع مكامن الخلل في النظام المالي والاقتصادي، وعدم تراجعه قيد أنملة عن شرطه الإسراع بإقرار القوانين والتشريعات المالية الإصلاحية المطلوبة لإقفال جميع مسارب الفساد والفوضى في النظامين المالي والمصرفي، قبل الحصول على أي مساعدة نقدية.
سنوات مرت، ولا يزال لبنان وصندوق النقد الدولي المكلف من المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان متابعة شؤون المساعدات المطلوبة للإنقاذ، عند المربع الأول في المفاوضات.
عقد الصندوق مع الحكومة اللبنانية اجتماعات تنسيقية عدة، والتقى للغاية الكثير من المسؤولين الماليين والمصرفيين، في محاولة منه لحث من بيدهم الحل والربط، على الإسراع في إقرار التعديلات الضرورية على القوانين والتشريعات اللبنانية، بما يكفل عدم هدر أو إضاعة أي مساعدات نقدية أو دعم دولي مجدداً. نال موفدو الصندوق ما يرضيهم من الوعود والتطمينات، بيد أنهم لا يبرحون حتى اليوم يتساءلون عن مصيرها وموعد إقرارها، لكن لا من مجيب، وإذا أجابت الحكومة فلديها ألف حجة وتبرير تختبئ خلفها.
حالياً تسود أجواء الصندوق وجهتا نظر: واحدة تطالب إدارته بالتريث قليلاً وعدم الضغط على الحكومة اللبنانية أكثر لتنفيذ الوعود والشروط، بسبب الشغور الرئاسي والحرب الدائرة على حدوده الجنوبية وفي الإقليم، ولدقة المرحلة التي يمر بها الوضع السياسي في لبنان عموماً.
ووجهة النظر الثانية ترى أن المؤسسات اللبنانية أقرت مشاريع وقوانين عدة منذ زمن قليل ولم يقف الشغور الدستوري والتوتر العسكري في الجنوب عائقاً أمام ذلك، ويمكن للمجلس النيابي أن يجتمع ويقر ما لديه من مشاريع قوانين إصلاحية، أسوة بما فعله مع مشروع موازنة 2024 أو غيره.
الأجواء الواردة من أروقة صندوق النقد لا تبشر بالتفهم، لا بل يسودها الغضب من عدم احترام الدولة اللبنانية تعهداتها، والوعود التي أكثرت منها أثناء المفاوضات، والتي لم يُنَفذ منها شيء حتى الآن.
5 أعوام على الأزمة المالية، ونحو عامين على الاتفاق الذي توصّل إليه لبنان على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي الذي وعد بتقديم أكثر من 3 مليارات دولار بشكل مساعدات لدعم النهوض الاقتصادي في لبنان، فيما تعهدت الحكومة اللبنانية بالقيام بتنفيذ سريع لحزمة شاملة من الإصلاحات الهيكلية (“إجراءات مسبقة”) من أجل التوصل إلى اتفاق رسمي مع صندوق النقد الدولي. ولكن يبدو أن الطريق أمام لبنان للتوقيع على الاتفاق لا تزال طويلة، وما البيان الذي أصدره الصندوق عقب زيارة وفد منه للبنان إلا دليل واضح على أن الصندوق مستاء من عدم تنفيذ الإصلاحات اللازمة المطلوبة، إذ أكد بشكل واضح أن “عدم اتخاذ إجراءات للإصلاحات الضرورية بسرعة يثقل بشكل كبير على الاقتصاد، وأنه بعد مرور أربع سنوات من بداية الأزمة، لا يزال لبنان يواجه تحديات اقتصادية هائلة، مع انهيار قطاع البنوك، وتدهور الخدمات العامة، وتراجع البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، وتوسيع الفجوة في التفاوت الاقتصادي. ولبنان لم يتخذ الإصلاحات الضرورية بسرعة، وسيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات مقبلة. واعتبر أن “الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة، وحاسمة، لإطلاق الإصلاحات، يترك لبنان في وضع ضعيف”.
وتؤكد المعلومات أن الصندوق مستاء من تجاهل المسؤولين لإجراء الإصلاحات المطلوبة خصوصاً على صعيد القوانين الإصلاحية مثل “الكابيتال كونترول” و”إعادة هيكلة المصارف” و”التعافي المالي”، أو أي حلّ يتعلق بالمودعين. وعلمت “النهار” أن ثمة حديثاً جدياً في أروقة الاجتماعات غير الرسمية التي يجريها الصندوق حالياً تمهيداً لاجتماعات الربيع السنوية للصندوق والبنك الدوليين في العاصمة الأميركية واشنطن بدءاً من منتصف الشهر الجاري، عن أن ثمة توجهاً جدياً لإلغاء الاتفاق مع لبنان، على اعتبار أنه لم يلتزم الإصلاحات المطلوبة وثمة ميوعة ومماطلة وتسويف، بما يشكل ضربة كبيرة للبنان من ناحية الثقة الدولية به واعتباره دولة فاشلة.
وفي اجتماع خُصّص للبنان، كان حديث على أعلى المستويات عن أن لبنان بلد غير متعاون ولم يقم بالمطلوب منه، لذا يجب إلغاء الاتفاق معه، بيد أن بعض المجتمعين كان له رأي آخر مبدياً تحفظه على قرار إلغاء الاتفاق، مقترحاً منحه فرصة قصيرة وأخيرة على خلفية أن البلاد في حالة حرب، وإعلان هذا الأمر قد يفجّر الأوضاع ويزيدها سوءاً.
هذه الأجواء وصلت الى مسامع قلة من المسؤولين، فيما ينتظر البعض الآخر سماعها مباشرة من صندوق النقد، بيد أن الوزير السابق نقولا نحاس، أكد لـ”النهار” أن “لبنان في انتظار زيارة المدير التنفيذي في صندوق النقد محمود محيي للبنان يوم الجمعة المقبل، حيث سيستمع المسؤولون الى أجواء الصندوق في هذا السياق، وسنضع المدير التنفيذي في صورة ما أنجزنته الحكومة من مشاريع قوانين إصلاحية، وسنرى ما إن كان عدم إقرار مجلس النواب لهذه القوانين أثار استياء الصندوق”.
وإذ أوضح أن “الحكومة أنجزت كل المطلوب منها على صعيد القوانين الإصلاحية (الكابيتال كونترول، التوازن المالي، إعادة هيكلة المصارف) وأرسلتها الى المجلس النيابي بواسطة بعض النواب، لكن المجلس لا يشرع حالياً إلا ما يعتبر أنه يأتي في سياق استمرارية المرفق العام”، أكد أن “الحكومة جاهزة لأي أسئلة أو استفسارات من المدير التنفيذي للصندوق الذي يزور لبنان كل 6 أشهر تقريباً”.
وبالنسبة لخطة التعافي المالي، أكد أنها “أقرت في مجلس الوزراء وتم تبليغها الى مجلس النواب، فيما ترجمتها تكون عبر القوانين والمراسيم. وتالياً إن لم يُصر الى تشريع هذه القوانين وفق ما هو مطلوب من صندوق النقد، لا يمكن الذهاب الى المرحلة الثانية من الاتفاق. خطة الحكومة أخذت في الاعتبار توقيع الاتفاق مع الصندوق ودخول لبنان الى الأسواق المالية وأصبح هناك مجال لإعادة تمويل لبنان من خلال الإصلاحات”.
أما إن لم يتم الاتفاق مع صندوق النقد، فيرى نحاس أنه لن يكون لدينا الأدوات للمضيّ بخطة النهوض، وذلك على الرغم من ضآلة المبلغ (3 مليارات دولار لدعم الموازنة). المهم في الاتفاق أن نقول للمجتمع الدولي إنه أصبح في مقدور لبنان الاستدامة والاستدانة من خلال الإصلاحات اللازمة التي أجراها بما يمكنه من تنفيذ الخطط للبنى التحتية التي بدورها تزيد النمو والاستثمارات وفرص العمل.