عين الإمارات على ريادة الاقتصاد العالمي الجديد من بوابة الجيل السادس
(النهار)-06/05/2024
في سباقها لريادة مشهد الاتصالات والتكنولوجيا العالمي، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة خطواتها الأولى لدخول عالم الجيل السادس، فكشفت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في الإمارات عن خريطة طريق وخطة شاملة لقيادة البحوث والدراسات المتعلقة بتطوير تكنولوجيا الاتصالات المتنقلة الدولية (IMT2030)، أو ما يعرف بالجيل السادس من شبكات الهاتف المتحرك. وسيبدأ الجدول الزمني من 2024 بتشكيل لجنة الإمارات للجيل السادس، ثم إطلاق ونشر الخدمة في الإمارات قبل عام 2030K، وفق التوقعات.
وبحسب الأرقام الرسمية، تجاوزت أعداد المشتركين بخدمات الاتصالات في الإمارات الـ26 مليون مشترك بنهاية أيلول (سبتمبر) 2023، فيما تستحوذ اشتراكات الهاتف المتحرك على 78% منها.
كذلك، يُقدّر حجم سوق الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة بنحو 9.37 مليارات دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 10.93 مليارات دولار أميركي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركّب قدره 3.15٪ خلال الفترة المتوقعة ما بين الـ2024 والـ2029. فما هي خدمة الجيل السادس؟ وما الأهمية الاقتصادية لمشروع تطوير تكنولوجيا الاتصالات المتنقّلة الدولية (IMT2030)؟
خدمة الـ 6G ستؤمّن أنترنت بسرعة تقترب من 100 جيجابيت بالثانية
شرح خبير الاتصالات، فريد خليل، “خدمة الجيل السادس” بأنّها “شبكة اتصالات متطوّرة أكثر من خدمة الجيل الخامس 5G، وهي معيار لتقنيات الاتصالات اللاسلكية التي تدعم شبكات البيانات الخلوية”، موضحاً بـ”أننا لا نزال في نفس الإطار التكنولوجي إلّا أننا نطوّره ليحاكي الجيل السادس. وطبعاً هذه الخدمة أسرع بكثير، حيث تتراوح سرعة الأنترنت من 95 إلى 100 جيجابيت بالثانية، وهو رقم ضخم”.
وِأشار خليل إلى أن “الخدمة ستدخل ضمن إطار شبكة خلوية عريضة النطاق، ومقسّمة إلى مناطق خدمات جغرافية صغيرة، تسمّى خلايا، توفّر اتصالات داخليّة مرتبطة بشكل عام بالعالم. والغاية الرئيسيّة من هذا التطوّر هو إبداع أنترنت أسرع، يهدف إلى مواكبة التطوّر الضخم الحاصل في قطاع الذكاء الاصطناعي في الإمارات، والذي يحتاج بشكل رئيسيّ إلى أنترنت سريع جداً”.
الإمارات الأولى عربياً في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية
تعتبر الإمارات من أوائل الدول التي أولت أهمية كبيرة للقطاع التكنولوجي. وتعتمد الإمارات على هذا القطاع لتنويع مصادر الاستثمار في اقتصادها، في محاولتها التحوّل من الاقتصاد النفطي إلى غير النفطي، على غرار المملكة العربية السعودية. واحتلّت الإمارات المرتبة الأولى عربياً والـ37 عالمياً ضمن تقرير التكنولوجيا والابتكار السنوي لعام 2023. كما تقود الإمارات ريادة المنطقة العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد أن انتزعت المركز الأول عربياً والـ28 عالمياً على مؤشر الذكاء الاصطناعي، الصادر عن شركة “تورتواز ميديا” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، لعام 2023.
ولذلك، تستثمر الإمارات بشكل كبير في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، وتحديداً في الاقتصاد الرقمي، حتى أنّ الرئيس التنفيذي السابق لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) الأميركية المُطوِّرة لخدمة “شات جي بي تي” (Chat GPT) (التطبيق الذي عرّف العالم على الذكاء الاصطناعي)، سام ألتمان، اعتبر أنّ الإمارات ستكون أكثر بلد يستطيع استقطاب مشاريع التطوّر التكنولوجي والاقتصاد الرقمي في ما بعد، وذلك بفضل استثمار الحكومة الإماراتية بالبنى التحتية، وهو ما أنتج مشروع الـMIT 2030، الذي سيوفّر خدمة الجيل السادس لشبكة الهاتف المتحرّك.
الخدمة ستتوفّر في الـ2030 كحد أقصى
وتوقّع خليل أن “تتوفّر خدمة الـ6G في داخل الإمارات بحلول عام 2029 أو 2030 كحدّ أقصى، ريثما تنتهي الإدارة من مراحل البحث والدراسة، وهو ما سيدعم الاقتصاد الرقمي، الذي ظهر بقوّة بعد جائحة كورونا، نتيجة تغيّر سلوك المواطنين، وعمل الكثيرين منهم من بعد Online. وهذا النوع من الاقتصاد يتطور بسرعة يوماً بعد يوم، وهو يحتاج إلى تقنيات عالية وسريعة في قطاع الاتصالات، ممّا يتطلّب من الدول سدّ الفجوة الحاصلة في قطاع الاتصالات؛ وهو ما تعمل الإمارات على تحقيقه، حيث تسعى لأن تخلق حياة رقمية شاملة ومترابطة. ولذلك هي بحاجة إلى خدمة الجيل السادس، التي تنطوي تحت خطة الإمارات 2030، الهادفة لأن تصبح الإمارات مركزاً عالمياً للاقتصاد الجديد أي الاقتصاد الرقميّ بشكل أساسي”.
خدمة الـ6G ستجعل من الإمارات مركزاً تكنولوجياً لكبرى الشركات العالمية
وعن الأهمية الاقتصادية لخدمة الجيل السادس، أجاب خليل بأنها “سترفع من تدفّق الاستثمارات الأجنبية إلى الإمارات، مما قد يجعل منها مركزاً للتطور التكنولوجي العالمي، على غرار “سيليكون فالي” في الولايات المتحدة الأميركية، التي أصبحت مصنعاً لكبرى الشركات التكنولوجية حول العالم. وفي موازاة ذلك، تعمل الإمارات على الاستثمار بـ”أشباه الموصلات”، وهي أساس التكنولوجيا الحديثة، وخلقت صراعاً تكنولوجياً بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
إلى ذلك تسعى الإمارات إلى استقطاب الاستثمارات في هذا المجال، ضمن الأطر السياسية التي تنصّ على عدم الإفصاح عن التكنولوجيا المستخدمة، فيما الجهود التي تصبّها الإمارات في القطاع الرقمي ستسمح لها بتصدير آخر التقنيات التكنولوجية، وبجذب أهمّ الشركات التكنولوجية العالمية، لتجعل من الإمارات مقرّها الإقليمي، حيث إن ّنتائج السباق التكنولوجي لن تضمنها إلا الدول السبّاقة في هذا المجال”.
وتُعرَّف “أشباه الموصلات” بأنّها مواد صلبة تمتلك خصائص كهربائية فريدة، إذ تُعد موصلة للكهرباء بشكل جزئي، مما يجعلها مناسبة لصنع الرقائق الإلكترونية. ومن أهمّ المواد المستخدمة في تصنيعها مادة السيليكون، الذي يُعدّ عنصراً أساسياً في صناعة الإلكترونيات الحديثة.
وعن وجوب تطوير تكنولوجيا الاتصالات المتنقلة، رأى أنه ّ”وفي ظل ّغياب التغطية الشاملة لشبكة الاتصالات، من الضروري توفير سرعة أكبر وجيل سادس، لإنتاج استشعار متكامل وتغطية شاملة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ممّا سيوفّر ذكاءً اصطناعياً شاملاً، أو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي، (Generative AI). فالذكاء الاصطناعي بوتيرة تطوّره السريعة الحالية قد يصبح ذكاء شاملاً، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستدامة البيئية، وسدّ الفجوة الرقميّة، وربط المتّصلين وتعزيز الخصوصية والأمان، وهو أمر مهمّ جداً. والإمارات حريصة على هذه المبادئ، وأكبر مثال على ذلك فشل شركة “بلاك بيري” في العمل داخل الإمارات، بسبب عدم السيطرة على البيانات المرتبطة بها. وهي نقطة إيجابية أخرى تضاف إلى مصلحة الإمارات”.
وسيحسّن تطوير تكنولوجيا الاتصالات المتنقلة قدرات الاستجابة لكثافة الاتصالات، من دون خلق عبء على الشبكة، وهو ما سيعود بالتقدّم في مجالات الرعاية الصحية والجراحة والتشخيص من بعد، وكلّ ما له علاقة بالحواسّ البصرية.
ولا شكّ في أنّ هناك دولاً وشركات أخرى بدأت الاستثمار في الجيل السادس، على رأسها الصين، وكوريا، واليابان، والولايات المتحدة الأميركية، وشركتا سامسونغ وأبل وغيرهما، “إلّا أنّ الأضواء في مجال التكنولوجيا الرقمية بدأت تُسلّط أكثر على دولة الإمارات، بسبب جهود الحكومة الإلكترونية في مجال الحوكمة، والاستثمار في البنى التحتية، ورأس المال البشري، فضلاً عن توفّر رؤوس الأموال وتوظيفها في القطاع الرقمي”، برأي خليل.
إنجازات ريادية في قطاع الاتصالات
يُذكر أنّ قطاع الاتصالات في الإمارات حقّق العديد من الإنجازات الريادية خلال عام 2023، لتتبوأ الدولة صدارة بلدان العالم في تغطية شبكات الهاتف المتحرك للسكان، وفي معدل الاشتراكات بالنطاق العريض المتنقل، وفي نسبة مستخدمي الأنترنت.
وحلّت الإمارات في المرتبة الثانية عالمياً في معدل الاشتراكات في الهاتف المتحرك، والسادسة عالمياً في عرض نطاق الأنترنت الدولي لكل مستخدم، إلى جانب محافظتها على ريادتها العالمية للمرة الرابعة على التوالي في تغطية الألياف الضوئية “FTTH”.
وحققت دولة الإمارات المرتبة الخامسة عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني، والتاسعة في مؤشر البنية التحتية للاتصالات، والـ12 في مؤشر الخدمات الرقمية، والـ13 في مؤشر تطور الخدمات الرقمية، والـ18 في مؤشر المشاركة الرقمية، والـ22 في مؤشر جاهزية الدولة للذكاء الاصطناعي.
فرص كبيرة تضمنها خدمة الجيل السادس
بدوره، يشرح الخبير التكنولوجي، رامز القارا، خدمة الجيل السادس، بأسلوب مبسّط، موضّحاً بأنها “الجيل الجديد من تقنيات تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية. وهو يأتي بعد الـ5G. ومن المتوقّع أن يقدّم ميزات جديدة، كالسرعة في نقل البيانات، وسرعة نقل الاتصال، لتصبح المكالمة Real time، كما سيسمح بربط عدد أكبر من الأجهزة الإلكترونية مع بعضها البعض في نفس الوقت، وسيضمن تغطية أوسع لمناطق عدّة، خصوصا النائية منها. وستدعم خدمة الـجيل السادس التطبيقات المتطوّرة الجديدة كالـvirtual reality، والواقع المعزّز وغيرها من المواضيع. كما ستتعزّز هذه الخدمة باستخدام أدوات كالـIOT التي تتطلّب real time internet”.
وبرأي القارا أن “استخدام الإمارات خدمة الجيل السادس سيسمح لها بالمنافسة على المستوى العالمي، وعلى صعيد الاقتصاد الرقمي”، كما “سيسمح لها بجذب استثمارات هائلة. وسيفتح الباب للإمارات أمام المزيد من الابتكار والتطوير والاستثمار، خصوصاً في قطاع الذكاء الاصطناعي. وبوجود أنترنت سريع، من دون تأخير أو أعطال، ستتسارع مشاريع المدن الذكيّة والحكومات الذكية. كما سيحسّن جودة الخدمات من بعد، كالتعلّم من بعد، والكشف الطبي من بعد، وحتى إصدار الأحكام القضائية من بعد”.
في المحصّلة، يبدو أنّ طموح الإمارات بريادة الاقتصاد العالمي الجديد لم يعد بعيد المنال، فهل تكون خدمة الجيل السادس بوابتها للعبور؟