فحيلي: حرب ترامب التجارية اختبار للخليج.. وإنذار مُبكِر للبنان
(الديار)-11/04/2025
الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصوِّباً سهامها على الصين وما تتركه من تداعيات على العالم وتحديداً دول الخليج ولبنان، “ليست مجرّد أزمة اقتصادية عابرة، بل لحظة اختبار لقدرة الخليج على التكيّف مع نظام عالمي يتغيّر بسرعة وبلا رحمة. والأهم أن لبنان الذي يرتبط عضوياً واقتصادياً بالدول الخليجية، لا يملك ترَف التفرّج. إذ إن كل زعزعة في استقرار داعميه الإقليميين ستُرجئ، وربما تُفشل، أي فرصة للإنقاذ”.
هذا ما يؤكده الباحث في “كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال” (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)محمد فحيلي، في حديث لـ “المركزية” حيث يرى أن “مع عودة ترامب إلى المسرح الدولي وتجدّد نبرته التصعيدية في الحروب التجارية، بدأت تداعيات هذه السياسات ترخي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي. فقد شهدت الأسواق المالية الأميركية في الأيام الأخيرة انكماشاً ملحوظاً، في مؤشر واضح على أن العواقب لم تعد افتراضية. وعلى رغم أن الهدف الظاهر لتلك السياسات هو الصين وشركاء تجاريون رئيسيون آخرون للولايات المتحدة، فإن الأذى سيتجاوز حدود الخصوم ليشمل الحلفاء، وفي طليعتهم دول مجلس التعاون الخليجي”.
ويقول: في اقتصاد عالمي مترابط، لا يمكن لأي طرف أن يكون بمنأى عن النيران. فالحروب التجارية تمثل صدمات سلبية للطلب، تضعف الثقة، وتعيق جهود التعافي. أما اعتبار رفع التعريفات مجرد ورقة ضغط تفاوضية، فهو تبسيط مُخل، إن لم يكن تضليلاً. فالتأثيرات المرتدّة لهذه السياسات طويلة الأمد، وتشمل تراجع الثقة ما بين الشركاء التجاريين، وتهميش الأولويات العالمية مثل التغيّر المناخي، التنمية المستدامة، والسلام.
أما بالنسبة إلى لبنان، فيُشير فحيلي إلى أن “تجاهل هذه التطورات يُعَد ترفاً لم يعد ممكناً. فدول مجلس التعاون الخليجي ليست مجرد شركاء اقتصاديين تقليديين، بل ركيزة أساسية في أي جهد دولي لإنقاذ لبنان من أزمته المالية، وفقاً لما يعوّل عليه صندوق النقد الدولي. أي اضطراب في اقتصادات الخليج سيلقي بظلاله على لبنان، ويعقّد فرَصه في الخروج من أزمته الخانقة”.
ويقول: يجب ألا نغفل أن الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، بالكاد بدأت باحتواء الضغوط التضخمية. ومن شأن تجدد الحروب التجارية أن يعكس هذا التقدّم الهش، ويُعيد التضخم إلى الواجهة من جديد.
ولا يغفل الإشارة إلى أبرز التحديات الناتجة من الحرب التجارية القائمة:
– الطلب على النفط هو نقطة ضغط… إذ بالنسبة إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، يظل النفط هو العمود الفقري. ويؤدي التباطؤ في التجارة العالمية إلى الحدّ من النشاط الصناعي، مما يؤدي بدوره إلى إضعاف الطلب على النفط. وهذه ليست مخاطرة افتراضية، بل إنها ضربة مباشرة لإيرادات المالية العامة والاستقرار الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة. ستشعر المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بالضيق، لكن الدول ذات الوسائد المالية الرقيقة مثل البحرين وعمان معرَّضة للخطر بشكل خاص.
– الاستثمار والإصلاح عالقان في مرمى النيران… تخلق الحروب التجارية حالة من عدم اليقين في مناخ الاستثمار العالمي. في حين تعتمد جهود التنويع الطموحة لدول مجلس التعاون الخليجي، مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، بشكل كبير على الاستثمار الأجنبي المباشر والشراكات الدولية. إن الحمائية المتزايدة وعدم القدرة على التنبؤ الجيوسياسي تجعل المستثمرين حذِرين، مما قد يؤدي إلى تعطيل الإصلاحات قبل أن يتمكنوا من اكتساب الزخم.
– ربط العملات وتقلب السلع… ترتبط معظم عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأميركي. عندما تؤثر التوترات التجارية في قوة الدولار، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي ضغوطاً تضخمية لا يمكن التنبؤ بها وتغيّر معدلات التبادل التجاري. ويؤدي التقلب في أسعار السلع الأساسية إلى تفاقم التحدي، ما يخلق بيئة غير مستقرة للاقتصاد الكلي يصعب إدارتها.
– مرونة نسبيّة، من دون مناعة… الصادرات الأساسية للمنطقة – الطاقة والبتروكيماويات – ليست أهدافاً مباشرة للتعريفات الجمركية الأميركية. نعم، تتّجه دول مجلس التعاون الخليجي بذكاء نحو الأسواق الآسيوية، ولا سيما الصين والهند. لكن استراتيجية التحوّط هذه لها جانب آخر: إذا تباطأ الاقتصاد الصيني نتيجة التوترات التجارية، فسوف يتردد صدى الألم في انخفاض الطلب على النفط وتعطّل سلاسل التوريد.
– نقاط الضعف الهيكلية لا تزال قائمة… على الرغم من جهود التنويع، لا تزال القطاعات غير النفطية متخلفة. تنمو السياحة والخدمات اللوجستية والتمويل ولكنها ليست قوية بما يكفي لتكون كامتصاص للصدمات. ولا تزال التجارة البينية ما بين دول مجلس التعاون الخليجي متواضعة، ويعرقلها تداخل القطاعات ومحدودية التكامل الاقتصادي.
– العامل الذهبي… في أوقات عدم اليقين العالمي، يلمع الذهب. تاريخياً، تعمل كملاذ آمن عندما تتعثر الأسهم، وتتقلب العملات، وتتحوّل البنوك المركزية إلى الحمائم. مع إعادة إشعال خطاب ترامب التجاري للمخاوف العالمية، من المرجح أن يرتفع الطلب على الذهب. بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما مراكز تداول الذهب مثل دبي، يمكن أن يوفر وسادة تكتيكية – حاجزاً متواضعاً، إنما ليس درعاً وقائياً.
– لحظة اختبار للخليج، وإنذار مُبكِر للبنان… الاستجابة الصحيحة ليست غائبة، بل واضحة للعيان: تسريع وتيرة التجارة البينية ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتعميق العلاقات مع الأسواق الناشئة، وتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي بعيداً من الاعتماد شبه الكامل على النفط. لكن هذه مسارات طويلة المدى، تتطلب إرادة سياسية ثابتة، تنسيقاً إقليمياً فاعلاً، واستمرارية في السياسات لا تطيحها التحوّلات الآنيّة.
– مجلس التعاون ليس عاجزاً، لكنه مكشوف… ما يملكه من احتياطيات مالية وقدرات تفاوضية يمكن أن يُترجم إلى قوة استراتيجية، إذا ما أحسن استخدامها ضمن رؤية جماعية. وعلى المدى القصير، نعم قد تتمكن المنطقة من امتصاص الصدمة، لكن استمرار التوترات التجارية سيكشف بدون شك مكامن الضعف البنيوية التي طالما جرى التغاضي عنها.
ويخلص إلى القول: هذه الوقائع ليست مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل لحظة اختبار لقدرة الخليج على التكيّف مع نظام عالمي يتغيّر بسرعة وبلا رحمة. والأهم، أن لبنان – الذي يرتبط عضوياً واقتصادياً بالدول الخليجية – لا يملك ترَف التفرّج. إذ إن كل زعزعة في استقرار داعميه الإقليميين ستُرجئ، وربما تُفشل، أي فرصة للإنقاذ.
…”الحروب الاقتصادية لا تحترم الحدود. ومَن لا يتحرك اليوم بمرونة وواقعية، قد يجد نفسه غداً في موقع لا يُحسَد عليه. الخليج بحاجة إلى يقظة استراتيجية، ولبنان بحاجة إلى أن يُعيد حساباته” يختم فحيلي.