في السعودية.. تطوير الذكاء الاصطناعي بما يعزز الرفاه البشري ولكن ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي
(سي ان بي سي)-14/08/2025
مع إعلان السعودية في مايو آيار 2025 عن إطلاق شركة “هيوماين” (HUMAIN)، الشركة السيادية المختصة بالذكاء الاصطناعي، صرّحت المملكة بأن مهمة الشركة هي “تطوير نماذج أساسية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي باللغة العربية، بما يتماشى مع الثقافة والقيم المحلية، وتمكين تطوير الذكاء الاصطناعي العالمي انطلاقاً من المنطقة.
وقد صاحب هذا الإعلان استثمار حكومي يصل مجموعه إلى 50 مليار دولار أميركي تقريباً. وتسعى “هيوماين” إلى ترسيخ مكانتها كمساهم عالمي في الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، عبر إدخال القيم العربية والإسلامية في النقاش العالمي المتعلق بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتصميمه وتوظيفه. وفي هذا السياق، كيف يمكن توجيه تطوير الذكاء الاصطناعي بما يُعزز فعلياً الرفاه البشري والازدهار المجتمعي، ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي السعودي؟
والذكاء الاصطناعي القائم على القيم المؤيدة للمجتمع (ProSocial AI) هو توجه يركز على تصميم وتوظيف أنظمة ذكاء اصطناعي تستهدف تحقيق نتائج اجتماعية إيجابية وتعزيز الازدهار الإنساني. وعلى خلاف النماذج الحالية القائمة على الربحية أو المعاملاتية، يهدف هذا التوجه إلى تمكين القدرات البشرية، ودعم اتخاذ قرارات أخلاقية، وتعزيز مجتمعات قائمة على التعاطف والاستدامة.
هذا ويرتكز المنطق الأساسي للذكاء الاصطناعي القائم على القيم المؤيدة للمجتمع (ProSocial AI) على تصميم مقصود وتنفيذ مدروس لأنظمة الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز الرفاه البشري والاجتماعي، بدلاً من الاكتفاء بالسعي نحو تعظيم الأرباح أو تحسين الكفاءة فقط. والهدف الجوهري هنا هو مواءمة التقدم التقني مع القيم الإنسانية والمصلحة العامة للمجتمع.
ويتمثل منطق (ProSocial AI) في المبادئ الأساسية التالية:
- تصميم محوره الإنسان: التقنية ليست محايدة؛ بل يجب توجيهها بوعي نحو القيم الإنسانية.
- الترابط والتفكير المنظومي: يجب تصميم وتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي ضمن السياق الشامل للمنظومات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، نظراً لما تحدثه جميع القرارات والتصميمات من تأثيرات مترابطة وممتدة.
- الذكاء العاطفي والاجتماعي: الرحمة والتعاطف والوعي بالسياق، جميعها عناصر أساسية لأي نموذج ذكاء اصطناعي يسعى إلى دعم رفاه الإنسان.
- التمكين وليس الاستبدال: يجب أن يُسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز القدرات البشرية ودعم الإبداع وتوسيع سبل الوصول.
- التطوير التشاركي: يجب أن تكون المجتمعات شريكاً في تشكيل وتنفيذ وحوكمة أنظمة الذكاء الاصطناعي.
- الشفافية والمساءلة: يجب أن يتمكن المستخدمون من فهم آلية وأسباب اتخاذ القرارات من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
- الانسجام مع الرفاه الشامل: ينبغي لنظام الذكاء الاصطناعي أن يدعم ازدهار الفرد والتحول الاجتماعي معاً.
هذا وتتوافق طموحات المملكة المعلنة لتقنيات الذكاء الاصطناعي مع المبادئ الأساسية للذكاء الاصطناعي القائم على القيم المؤيدة للمجتمع (ProSocial AI)، وهي طموحات تنسجم أيضاً مع أهداف رؤية السعودية 2030- الاستراتيجية التحولية التي تسير عليها المملكة منذ الإعلان عنها في عام 2017.
وفي صميم هذه الطموحات، تسعى المملكة إلى تطوير تقنيات تُعزز الغاية والتفاؤل والحماسة والتمكين.
هذا وتقدم الدكتورة كورنيليا وولثر، نموذج POZE، كنموذج إنساني يتمحور حول الفرد، ويجمع بين الرفاه الداخلي والعمل الخارجي، بهدف إحداث تحول على المستويين الشخصي والمجتمعي. وقد طورت الدكتورة هذا النموذج من خلال خبرتها الطويلة في مجالي التنمية الدولية والعمل الإنساني، لا سيما ضمن منظومة الأمم المتحدة. ويستند نموذج POZE إلى أربع ركائز ذهنية رئيسية، هي: الغاية – التفاؤل – الحماسة – التمكين.
ويُجسّد كل حرف في هذا الاختصار ركيزة من ركائز التحول الفردي، تنعكس آثارها على المجتمع:
- الغاية(Purpose): وجود شعور واضح بالتوجه والمعنى في الحياة. فالأشخاص ذوو الغاية يتخذون قرارات أكثر وعياً وأخلاقية واستدامة، وتنعكس آثارها على التغيير المجتمعي الأوسع.
- التفاؤل (Optimism): الإيمان بإمكانية التغيير الإيجابي ونتائجه. التفاؤل يدفع نحو الصمود، ويمكن الأفراد والمجتمعات من مواجهة التحديات بالأمل والإبداع.
- الحماسة (Zeal): الشغف والطاقة في أداء العمل. وهي قوة تُغذي وتحفز الالتزام واستمرارية الجهود المطلوبة لإحداث التحول على المستويين الفردي والجماعي.
- التمكين (Empowerment): القدرة والإرادة لاتخاذ القرارات وتنفيذها. فالتمكين يُعزّز الاستقلالية والكرامة والثقة بأخذ روح المبادرة والدفاع عن العدالة.
ومن خلال تبني الذكاء الاصطناعي القائم على القيم المؤيدة للمجتمع (ProSocial AI)، أمام السعودية فرصة نوعية لتوظيف التقنيات المتقدمة وتصميمها بما يتناغم مع قيمها الثقافية.
ومن شأن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي أن يُسهم بفاعلية في دعم التنمية البشرية المستدامة، إلى جانب تعزيز المسؤولية البيئية. وبذلك، تُعزّز المملكة مكانتها كدولة رائدة في تطوير تقنيات تُسهم بفعالية في خدمة البشرية.
د. كورنيليا وولثر
قائدة في المجال الإنساني وتتمتع بخبرة تزيد على 20 عاماً في منظومة الأمم المتحدة، حيث قادت مبادرات فاعلة لتحقيق التغيير الاجتماعي. وتشغل حالياً منصب زميل باحث في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، وتجري أبحاثاً ريادية في مجالي الذكاء الهجين والذكاء الاصطناعي القائم على القيم المؤيدة للمجتمع (ProSocial AI) من خلال تحالف POZE العالمي والذي يهدف إلى بناء الإرادة في عصر الذكاء الاصطناعي للجميع. وتتركز اهتماماتها البحثية حول تسخير الذكاء الاصطناعي لإظهار أفضل ما في الإنسان ومن أجله، ولصالح الجميع وكوكب الأرض.
منال أنيس أحمد
أكاديمية متخصصة في مجال التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتقنية الحيوية، وتأثيرهما على الأعمال والمجتمع. ساهمت على مدى عقدين في تأسيس مؤسسات تعليمية واستراتيجيات لتنمية رأس المال البشري في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. كما سبق أن عملت كأستاذة زائرة في جامعة برينستون، وتقدم حالياً محاضرات في ريادة الأعمال في مجال التقنية الحيوية بجامعة جونز هوبكنز.