في ظهور نادر.. عبدالله الراجحي يكشف أسرار بناء أكبر مصرف إسلامي في العالم
(العربية)-14/07/2025
من إرث عائلي إلى تحقيق الريادة في الصيرفة الإسلامية، يقف الرئيس التنفيذي لأكبر بنك إسلامي في العالم محملاً بمهمة ضخمة في سوق يواجه تحديات كبيرة في السيولة وخطط تحول هيكلية ضخمة تحت مظلة “رؤية 2030”.
في مقابلة استثنائية مع برنامج “الدرجة الأولى” على قناة “العربية”، كسر عبدالله بن سليمان الراجحي، رئيس مجلس إدارة مصرف الراجحي، صمته الإعلامي ليروي قصة صعود أحد أضخم المصارف الإسلامية في العالم، كاشفاً عن محطات مفصلية في مسيرته، وتفاصيل غير مسبوقة عن التحول من شركة عائلية إلى كيان مصرفي عالمي.
من البدايات المتواضعة إلى الريادة العالمية
بدأت الحكاية في خمسينيات القرن الماضي، حين تأسست شركة الراجحي للصرافة والتجارة كمؤسسة فردية، قبل أن تتحول رسمياً إلى بنك في عام 1988 برأسمال 750 مليون ريال وأصول بلغت 10 مليارات ريال. واليوم، يقف المصرف على قمة البنوك الإسلامية عالمياً بأصول تقترب من تريليون ريال، واحتياطيات تفوق 100 مليار ريال.
خلال سنوات عمل البنك كأول بنك إسلامي في السعودية، برزت الحاجة إلى تطوير أدوات للصيرفة الإسلامية من تمويلات وإيداعات وحسابات، تحت مظلة لجنة شرعية مستقلة، ومتوافقة مع اشتراطات البنك المركزي، وفقاً لما ذكره الراجحي لمضيفته، فاطمة الزهراء الضاوي.
وقال الراجحي، إن التطور أخذ منحنى سريعاً جداً لتصبح السعودية الرائدة عالمياً في الصيرفة الإسلامية، مع محفظة أصول مصرفية إسلامية تتجاوز 3.1 تريليون ريال، حتى منتصف عام 2024، وإصدارات صكوك تتراوح بين 620 و640 مليار ريال.
لكن حتى نمو بهذا الحجم لم يعد كافياً في ظل “رؤية 2030″، وخطة برنامج تطوير القطاع المالي، حيث أشار الراجحي إلى مبادرات خاصة لتطوير المصرفية الإسلامية.
متى بدأ؟
التحق عبدالله الراجحي بالمصرف عام 1979 بعد تخرجه في الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتدرج في المناصب حتى أصبح الرئيس التنفيذي، ثم رئيس مجلس الإدارة. وخلال تلك العقود، لعب دورًا محوريًا في تطوير أدوات الصيرفة الإسلامية، وإطلاق منتجات متوافقة مع الشريعة، تحت إشراف لجنة شرعية مستقلة.
في حديثه، بدا واضحًا أن الراجحي لا يتحدث عن مؤسسة مالية فقط، بل عن مشروع حياة. “كنا نعلم أن الصيرفة الإسلامية تحتاج إلى أدوات جديدة، إلى منتجات تمويل وإيداع تتوافق مع الشريعة، وتخضع لرقابة شرعية مستقلة”، بحسب الراجحي.
التحول الرقمي.. حين يسبق المصرف زمنه
استشعر البنك أهمية التحولات التكنولوجية عالمياً مبكراً، وبدأ رحلة التحول، وقال “الراجي” إن أكثر من مليار عملية دخول للتطبيقات البنكية في عام 2024، أبرزت أهمية هذا التحول، ويضاف إليها أن 95% من الحسابات تُفتح رقميًا، و22% نمو في عدد العملاء الجدد عبر الجوال.
حين ضربت الأزمة المالية العالمية في 2008، كانت البنوك تتساقط كأوراق الخريف، لكن مصرف الراجحي ظل صامدًا. لم يكن ذلك صدفة. فالمصرف لم يكن منخرطًا في المشتقات المالية، ولم يتعامل مع الشركات المتعثرة. كان تركيزه على تلبية احتياجات عملائه، بعيدًا عن المغامرات الاستثمارية. ويعزو الراجحي هذا الصمود إلى الحذر المؤسسي، وإلى الدور الحاسم الذي لعبه البنك المركزي السعودي في حماية القطاع المصرفي.
لكن التحديات لم تتوقف عند الأزمات. فمع تسارع التحول الرقمي، واجه المصرف تحديًا جديدًا: كيف يحافظ على ريادته في عالم تتغير فيه سلوكيات العملاء بسرعة البرق؟ الجواب كان في الأرقام. أكثر من مليار عملية دخول للتطبيقات البنكية في عام 2024، و95% من الحسابات تُفتح رقميًا، و22% نمو في عدد العملاء الجدد عبر الجوال. لم يعد المصرف مجرد بنك، بل منصة مالية رقمية متكاملة، تستثمر في التقنية كما تستثمر في الإنسان.
ورغم المنافسة الشرسة من شركات التقنية المالية، يرى الراجحي أن هذه الشركات ليست تهديدًا، بل فرصة. فالمصرف لم يكتفِ بتطوير منتجاته الرقمية، بل أنشأ شركات تقنية تابعة له، واستثمر في شركات ناشئة، لتقديم حلول مبتكرة، تستهدف شرائح جديدة من العملاء، وتعيد رسم خريطة السوق.
في قلب رؤية السعودية 2030، يجد المصرف نفسه لاعبًا رئيسيًا في تمويل التحول الاقتصادي. من دعم الإسكان، حيث يمتلك المصرف 41% من الحصة السوقية، إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي قفزت محفظتها من 10 إلى 40 مليار ريال خلال خمس سنوات فقط. ويؤمن الراجحي أن القطاع الخاص لا يستطيع استيعاب كل الخريجين، ولهذا يركز المصرف على دعم ريادة الأعمال، من خلال منتجات تمويل جاهزة، لا تتطلب بيانات مالية معقدة، وتستهدف تسهيل الانطلاقة.
لكن خلف كل هذه الأرقام، هناك التزام إنساني لا يقل أهمية. فالمصرف يرى في المسؤولية المجتمعية جزءًا من هويته، لا مجرد واجب. من برنامج دعم الأيتام الجامعيين، إلى مبادرات التعليم والصحة والسكن، يؤمن الراجحي أن الأثر الحقيقي يأتي حين يكون الدعم من خلال برامج واضحة، قابلة للقياس، ومتصلة برؤية استراتيجية.
وفي حديثه عن المستقبل، لا يخفي الراجحي قلقه من بطء الاستجابة في بعض القطاعات. فالعالم العربي، برأيه، يمتلك طاقات هائلة، لكنه بحاجة إلى بنية تحتية رقمية قوية، وإلى تعليم يحوّل الشباب من مستهلكين إلى مبتكرين. ومع مجتمع فتي يتجاوز تعداده 400 مليون نسمة، يرى أن الفرصة لا تزال قائمة، لكن الوقت يمر بسرعة.
تحديات التوظيف
ويعتبر الراجحي أنه من المستحيل أن يمتص القطاع الخاص كل الخريجين من الشباب، ما يزيد من الطلب على المشاريع الصغيرة والمتوسط، ما دفع البنك إلى تبني برامج تركز بالأساس على تمويل هذه الشريحة من العملاء وتساعدهم في النمو.
وقال إنه في عام 2020، كان حجم محفظة تمويل الشركات المتوسطة والصغيرة 10 مليارات ريال، ووصل إلى 40 مليار ريال حالياً، وتم إطلاق منتجات جديدة جاهزة بدون أن يضطر العملاء إلى تقديم بيانات مالية.