لماذا تتجاهل أدوات الدين الحكومي في مصر مستويات الفائدة المرتفعة؟
(العربية)-06/6/2024
تجاهلت الفائدة على أدوات الدين الحكومي في مصر مستويات العائد المرتفعة التي تتيحها آليات البنك المركزي لإدارة السيولة المحلية.
وتتراوح متوسط الفائدة على أذون الخزانة الحكومية بين 25.25% و26% خلال عطاءات الشهر الماضي، في حين يقبل البنك المركزي فوائض سيولة البنوك في آلية الوديعة الأسبوعية ذات العائد الثابت عند 27.75%.
وعدل البنك المركزي قبل قرابة شهرين سياسة عطاءات السوق المفتوحة، حيث تم اعتماد آلية جديدة تقضي بقبول جميع العروض المقدمة من البنوك بسعر متوسط الكوريدور، بديلاً عن نظام التخصيص الذي كان معمولا به سابقا.
خفض تكلفة الدين وتقليص العجز
قال كبير الاقتصاديين ومحللي استراتيجيات السوق بشركة كايرو كابيتال سيكيوريتيز، هاني جنينة لـ “العربية Business” إن أسعار الفائدة الفعلية على أدوات الدين الحكومي تنخفض بنحو 7% عن فائدة آليات إدارة وامتصاص السيولة التي يديرها البنك المركزي المصري.
وأوضح جنينة أنه كان من المتوقع أن ترتفع الفائدة على أدوات الدين الحكومي بعد قبول المركزي لكامل فوائض سيولة البنوك بفائدة 27.75%، ولكن قد يكون تمسك المالية بسعر الفائدة المنخفض محاولة لخفض العجز في الموازنة العامة.
“وزارة المالية ملتزمة بخفض الإنفاق والعجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لاتفاقها مع صندوق النقد”، بحسب جنينة.
تقليص الحاجة للاستدانة
وتقدر وزارة المالية، عجز موازنة العام المالي الحالي بنحو 7%، على أن ينخفض إلى 6% خلال موازنة العام المالي المقبل، والتي تستهدف من خلالها اقتراض نحو 2.850 تريليون جنيه (60 مليار دولار تقريبا) من الأسواق المحلية والدولية.
ومن جانبه عزى المحلل المالي الأول ببنك الاستثمار النعيم، هشام حمدي، استمرار أسعار الفائدة على أدوات الدين الحكومي عند معدلات أقل من فائدة آليات التوظيف الأخرى، نتيجة لدخول جزء من استثمارات رأس الحكمة لخزانة المالية، وهو ما قلص احتياجاتها للاستدانة عند معدلات تكلفة مرتفعة.
وقلصت وزارة المالية طلبات الاقتراض قصيرة الأجل خلال شهري أبريل ومايو، بهدف سداد بعض الالتزامات، وهو ما أسهم أيضا في استقرار الفائدة على الأذون عند نفس المعدلات، وتوجيه البنوك فائض السيولة لألية الودائع الأسبوعية، بحسب حمدي.
“الأموال الساخنة” و”المتعاملون الرئيسيون” يحاصران تكلفة الدين
وقال مسؤول خزانة بأحد البنوك إن تزايد تدفقات استثمارات الأجانب في أذون الخزانة قلص من حصة البنوك – المتعاملون الرئيسيون – من عطاءات المالية للاقتراض، مشيرا إلى أن تقديم البنوك لعروض فائدة مرتفعة أيضا خفض معدلات التخصيص بالعطاءات الأخيرة.
وأضاف المسؤول أن تعديل البنك المركزي لآلية سحب السيولة الأسبوعية لتقبل كامل الفوائض المعروضة من البنوك بفائدة 27.75%، منحت البنوك فرصة لتقليص اكتتاباتها في الأذون بأسعار فائدة مخفضة، لا تستوعب تكلفة الأموال المرتفعة لديها.
وسحب البنك المركزي المصري الثلاثاء الماضي سيولة بقيمة 840.6 مليار جنيه معروضة من 33 بنكا، وذلك في أحدث عطاءات السوق المفتوحة.
ويرى جنينة أن عدم استجابة فائدة الدين للفائدة المرتفعة على آليات البنك المركزي سواء الودائع المربوطة أو التسليف في سوق الإنتربنك، نظرا لمساندة البنوك المتعاملة في السوق الأولية للمالية لخفض تكلفة الاقتراض الحكومي.
وأوضح أن تعديلات وزارة المالية الأخيرة والتي تسمح لصناديق الاستثمار بتغطية اكتتابات أدوات الدين الحكومي مع البنوك العاملة بنظام المتعاملين الرئيسيين من المحتمل أن تساهم في تمرير فائدة الكوريدور إلى هذه العطاءات المدة المقبلة.
هل تنفذ المالية خطة إعادة هيكلة آجال الدين؟
واستبعد المحلل المالي الأول بشركة “نعيم القابضة” أن يكون تقليص طلبات أذون الخزانة والتمسك بأسعار فائدة متدنية عليها مقارنة بآليات أخرى للتوظيف، لصالح التوسع في الاستدانة طويلة الأجل في سندات الخزانة، مشيرا إلى أنه حتى الآن لم نشهد تغيرا في هيكل أجال الدين العام.
في حين أكد مسؤول خزانة أن الحكومة بدأت منذ بداية العام الحالي خفض ضغوط الاستدانة قصيرة الأجل، مشيرا إلى ظهور ذلك برفض وزارة المالية عدد من عطاءات الأذون بشكل متوالٍ خلال الثلاثة أشهر الماضية، بجانب قبول اكتتابات من البنوك بقيم أقل من المطلوبة في بعض العطاءات.
وأشار إلى أن عدم استجابة الفائدة على الأذون للارتفاع بعد تطبيق فائدة أعلى بمعدلات تتراوح بين 5 و7% على آليات أخرى لتوظيف السيولة بنفس مقومات الأدوات الخالية من المخاطر “Risk Free”، مؤشر على بدء تعديلات الحكومة لهيكل الاستدانة والعمل على مد آجاله.
وتستهدف مصر إطالة عمر الدين والنزول بمعدلاته لأقل من 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، وكذلك الوصول بمتوسط عمر الدين من نحو 3 سنوات حاليا إلى ما يزيد عن 5 سنوات في يونيو 2028.
كما تتبنى المالية المصرية خطة ترتكز على تخفيض الإصدارات قصيرة الأجل، والتحول إلى الإصدارات متوسطة وطويلة الأجل وتنويع مصادر التمويل بشكل أكبر لتتضمن السندات الخضراء والصكوك إضافة إلى الأدوات التقليدية ذات التكلفة المنخفضة بما يهدف لتقليل الضغوط على الموازنة الحكومية وتوزيع تكلفة الدين على فترات زمنية أطول، بحسب تصريحات سابقة لوزير المالية المصري الدكتور محمد معيط.