ما الآفاق الاقتصادية على المدى القريب للاقتصاد الجزائري؟
(سي ان بي سي)-01/07/2025
“لا تزال الآفاق الاقتصادية على المدى القريب للاقتصاد الجزائري إيجابية إجمالًا رغم حالة عدم اليقين العالمية، لكن المخاطر المالية لا تزال مرتفعة”، هذا ما ذكره صندوق النقد الدولي، الاثنين 30 يونيو/ حزيران، مع إنهاء بعثة الصندوق مشاورات المادرة الرابعة للعام 2025 إلى الجزائر.
يأتي هذا التقييم في وقت يواصل فيه الاقتصاد الجزائري التكيّف مع بيئة خارجية شديدة التقلب، وسط ضغوط مزدوجة تتمثل في تقلب أسعار الطاقة من جهة، وتزايد الإنفاق العام من جهة أخرى.
وبينما تسعى السلطات إلى الحفاظ على زخم النمو غير النفطي وتنفيذ إصلاحات لتعزيز التنويع الاقتصادي، تظل التحديات المرتبطة بالاستدامة المالية والتمويل قائمة، ما يفرض ضرورة الموازنة الدقيقة بين دعم النشاط الاقتصادي وضبط الاختلالات الكلية.
ما الذي تشير إليه البيانات؟
▪️ تباطأت وتيرة النشاط الاقتصادي في الجزائر إلى 3.6% في العام 2024 بعد أن سجلت 4.1% في 2023؛ نتيجة لتخفيضات إنتاج أوبك+ التي أثّرت على قطاع المحروقات، في حين ظل النشاط غير النفطي قوياً مسجلاً نمواً بنسبة 4.2%.
▪️ تحول رصيد الحساب الجاري إلى عجز في 2024 بسبب انخفاض إنتاج المحروقات وأسعار الغاز، في حين بقيت الاحتياطيات الدولية قوية عند 67.8 مليار دولار، تغطي حوالي 14 شهرًا من الواردات.
▪️ انخفض معدل التضخم بشكل حاد من متوسط 9.3% في العام 2023 إلى 4% في 2024، مدفوعاً بشكل رئيسي بانخفاض أسعار المواد الغذائية، كما تراجع معدل التضخم الأساسي.
▪️ ظلت السياسة النقدية تيسيرية خلال النصف الأول من 2025.
▪️ ارتفع عجز الموازنة بشكل كبير في 2024 ليبلغ 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تراجع إيرادات المحروقات وزيادة الإنفاق على الأجور والاستثمارات، ومن المتوقع أن يظل العجز مرتفعًا في 2025.
تقييم صندوق النقد
وفي ختام زيارتها للجزائر والتي استمرت من 16 إلى 30 يونيو برئاسة شارالامبوس تسنغاريديس، تقول بعثة صندوق النقد الدولي في تقريرها -الذي حصلت CNBC عربية على نسخة منه يوم الاثنين- إن التوقعات على المدى القريب إيجابية إجمالاً، مدعومة بتعافٍ تدريجي في إنتاج المحروقات مع تخفيف تخفيضات أوبك+، ما يُتوقع أن يدعم النمو في 2025، بينما يظل التضخم معتدلاً.
ومع ذلك، فإن الضغوط المالية المتزايدة تخلق تحديات تمويلية كبيرة، وإذا استمرت، فقد تؤدي إلى ارتفاع الدين العام على المدى المتوسط.
كما يُتوقع أن يؤدي استمرار حالة عدم اليقين العالمية وتقلب أسعار المحروقات إلى كبح الصادرات والاستثمار، مما يساهم في اتساع عجز الحساب الجاري في 2025.
مخاطر
وتواجه الآفاق الاقتصادية عددًا من المخاطر الأساسية؛ في مقدمتها تقلب أسعار المحروقات وسط تحولات في السياسات التجارية والتوترات الجيوسياسية، بالإضافة إلى العجز المالي المزمن الذي يهدد استدامة الدين ويعمق الروابط المالية بين الحكومة والمؤسسات العامة والمصارف الحكومية.
ومع ذلك، فإن التوقعات الاقتصادية على المدى المتوسط يمكن أن تتحسن من خلال تنفيذ إصلاحات مستمرة لتنويع الاقتصاد، وتطبيق فعّال لخطة عمل الحكومة والإصلاحات الهيكلية، بحسب تقرير البعثة.
ويشير تسنغاريديس إلى أنه “لضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي والتقليل من المخاطر في ظل بيئة عالمية متقلبة، توصي البعثة بإعادة التوازن المالي بشكل تدريجي لكن في الوقت المناسب. هذا من شأنه أن يكبح الاحتياجات التمويلية المتزايدة الناتجة عن العجز الكبير وتراجع أسعار المحروقات، ويساعد على تقليص نقاط الضعف وإعادة بناء الهوامش الوقائية واستقرار الدين العام على المدى المتوسط. كما ينبغي أن تظل السياسة النقدية مرهونة بالظروف الاقتصادية وتركّز بشكل صارم على هدف التضخم، مع مراقبة دقيقة لتطورات القطاع المالي”.
كما أن مزيداً من مرونة سعر الصرف من شأنه تعزيز قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية في ظل تقلب أسعار المحروقات وتزايد حالة عدم اليقين عالمياً.
أولويات الإصلاح
وتتمثل أولويات الإصلاح على المدى المتوسط في تعزيز الاستدامة المالية، وتقوية الأطر النقدية والمالية، والمضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية لتشجيع الاستثمار الخاص، وتحقيق نمو شامل، وخلق فرص العمل.
ووفق صندوق النقد الدولي، ستتعزز استراتيجية الضبط المالي من خلال إصلاحات تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية وترشيد الإنفاق. ويمكن أن تدعم استراتيجية محدثة لتحفيز الإيرادات جهود توسيع القاعدة الضريبية، بما في ذلك من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية، وتعزيز الالتزام الضريبي من خلال الرقمنة. كما أن إصلاح نظام الدعم من شأنه أن يعيد بناء الهوامش المالية ويوفر مجالًا للإنفاق ذي الأولوية، بما في ذلك تقديم دعم موجّه للأسر الفقيرة.
علاوة على أن تحسين كفاءة الاستثمار العام سيساعد في تحقيق أهداف الحكومة الخاصة بتنويع الاقتصاد. كما أن تحسين الإشراف والحوكمة والكفاءة في المؤسسات العمومية سيكون ضروريًا لاحتواء المخاطر الاقتصادية والمالية.
ورحبت البعثة بالتقدم المحرز في تنفيذ قانون المالية العضوي لسنة 2018، والذي من المتوقع أن يعزز الشفافية والمساءلة في تنفيذ الميزانية، وتأسيس وحدة داخل وزارة المالية لمراقبة المؤسسات العمومية وتعزيز إدارة المخاطر المالية، والتطبيق المرتقب لقانون الصفقات العمومية الجديد.