ما الذي يعنيه الانضمام لبنك التنمية الجديد بالنسبة للاقتصاد الجزائري؟
(سي ان بي سي)-29/04/2024
في أعقاب الندوة الصحافية حول “مخرجات اجتماعات الربيع 2024 لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”، السبت 27 أبريل (نيسان)، ذكر وزير المالية الجزائري لعزيز فايد، أن إجراءات انضمام بلاده إلى بنك التنمية المشترك الخاص بدول بريكس “وصلت إلى مراحلها النهائية”.
ووفق ما نقلته تقارير محلية على لسان وزير المالية، فإن العملية قد اكتملت تقريباً، ومن المقرر الانتهاء منها خلال الأيام المقبلة.
جاء ذلك بُعيد أيام قليلة من لقائه مع رئيسة بنك التنمية الجديد، ديلما فانا روسيف، على هامش مشاركته في أعمال اجتماعات الربيع 2024 لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالعاصمة واشنطن، وبعد أن ناقش معها بشكل خاص على تطور عملية انضمام الجزائر إلى المؤسسة.
كانت روسيف قد أوضحت -خلال اللقاء- أن هذه العملية مستمرة وفقا للجدول الزمني المتفق عليه وأن الإجراءات القانونية و المؤسساتية لهذا الانضمام هي في المرحلة النهائية. كما ناقش الطرفان إمكانات التعاون مستقبلا مع الجزائر في تمويل المشاريع التنموية الاستراتيجية والهيكلية للاقتصاد الجزائري.
تولي الجزائر اهتماماً خاصاً بالانضمام لهذه المؤسسة المالية. وفي العام الماضي، وتحديداً في شهر يوليو/ تموز، كان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد أعلن عن تقدم بلاده بطلب للمساهمة في بنك “البريكس”، محدداً قيمة المساهمة بـ 1.5 مليار دولار، وذلك خلال لقاء أجراه مع إحدى القنوات الصينية، سلط الضوء خلاله على مسعى بلاده لتكون عضواً مساهماً بالبنك.
ما هو بنك التنمية الجديد؟
بنك التنمية الجديد (NDB) هو بنك تنمية متعدد الأطراف أنشأته البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (BRICS) بهدف تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
يُعد بنك التنمية الجديد -ومقره في شنغهاي- الذراع المالية التمويلية لتكتل البريكس، وعادة ما يُنظر إليه بوصفه رأس حربة المجموعة فيما يتعلق بمساعي الدفع بنظام عالمي جديد، من خلال تقديم البنك كبديل للمؤسسات المالية الدولية المُهيمنة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحديداً).
بزغت فكرة تأسيس البنك -الذي تترأسه حالياً البرازيلية ديلما روسيف- من الهند خلال قمة التكتل في العام 2012 في دلهي، قبل أن يتفق أعضاء بريكس في قمة جنوب أفريقيا التالية في مارس/ آذار 2013 على إنشاء البنك. وفي القمة الخامسة للمجموعة والتي انعقدت في البرازيل في يوليو/ تموز 2014 تم التوقيع على اتفاقية تأسيس البنك، والاتفاق على نظامه الأساسي.
تأسس البنك -الذي تزامن مع إطلاقه مع الإعلان أيضاً عن تخصيص صندوق احتياطيات مالية للطوارئ لدول التكتل- في العام 2015، برأس مال 100 مليار دولار، مقسمة على حصص متساوية بين الأعضاء المؤسسين.
يسعى بنك التنمية الجديد إلى العمل كعامل محفز لسد الفجوة بين توافر الموارد المالية والاحتياجات المتزايدة للأعضاء المؤسسين والبلدان النامية الصاعدة. كما يتطلع للعب دور نشط في توسيع نطاق تأثيره على بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية من خلال توفير التمويل لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة.
ما الذي تجنيه الجزائر من الانضمام لبنك التنمية؟
تُعول الجزائر على الانضمام لهذه المؤسسة المالية للاستفادة مما تتيحه من فرص استثمارية واعدة، لا سيما في ظل اتساع حجم أسواق دول تكتل البريكس.
استاذ العلوم الاقتصادية والبرلماني السابق عن لجنة المالية والميزانية، هواري تيغرسي، يشير لـ CNBC عربية، إلى ما ينطوي عليه ولوج الجزائر إلى الأسواق العالمية، لا سيما الأسواق التي يصفها بـ “الحديثة” من أهمية خاصة بالنسبة للاقتصاد.
ويضيف: “عندما نتحدث عن الأسواق الحديثة، وفيما يتصل باستفادة الاقتصاد الجزائري من بنك التنمية الجديد، فإن تلك الأسواق تتيح حلولاً خاصة في هذا السياق.. لا سيما بالنسبة لمجموعة دول متطورة مثل الصين والهند وروسيا.. ودول لديها القدرة على استيعاب الانتاجات المختلفة (في إشارة لحجم الأسواق في تلك الدول وما تفيض به من فرص اقتصادية واسعة)”.
ويستطرد: “الجزائر تمتلك إمكانات طاقوية ومناجم ومنظومة فلاحية قوية، وغير ذلك من القطاعات المهمة، وتحتاج لتسويق منتجاتها، وكذلك تحتاج إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه الموارد الطاقوية، لا سيما بالنسبة للنفط والغاز.. وكذلك بالنظر إلى المشاريع المهمة التي انطلقت فيما يخص قطاع المناجم، لا سيما وأن الجزائر من الأربع دول الرائدة على مستوى العالم فيما يخص مخزونات الحديد والزنك والرصاص”.
وتحتاج الجزائر إلى إمكانات ووفورات مالية كبيرة لدعم الاستثمار في تلك القطاعات، من خلال شراكات وفق مبدأ “رابح-رابح” لجميع الأطراف.
وبحسب أستاذ العلوم الاقتصادية، فإن “الجزائر لا تستغل إلا أقل من 20% من هذه الإمكانات الوطنية المتوافرة، وفي المقابل هنالك استشكافات في الطاقة واستكشافات للمياه الجوفية بالنسبة للجنوب وتفعيل المنظومة الزراعية.. علاوة على ما يخص المناجم والصناعات التحويلية”.
وعليه، فإن الجزائر تسعى لشراكات حقيقية مع دول قوية، لا سيما دول آسيوية كالصين والهند، وفق تيغرسي، الذي يوضح في معرض حديثه مع CNBC عربية، أن “الانضمام لبنك التنمية الجديد سيعد مؤشراً مهماً، لا سيما وأن الجزائر مستعدة لتمويل البنك واستقطاب الاستثمارات الحقيقية من هذه الدول وكذلك الولوج إلى أسواقها ذات الاستهلاك الكبير (..) في سياق استراتيجة وطنية لاستقطاب الاستثمارات والولوج إلى الأسواق الدولية الحديثة”.
ويشار إلى تكتل البريكس كان قد توسع بالإعلان عن انضمام كل من مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا (فيما رفضت الأرجنتين الانضمام بداية العام بعد تولي الرئيس الجديد خافيير مايلي الحكم).
ويصل الناتج المحلي الإجمالي لدول التكتل -بحسب بيانات صندوق النقد الدولي- إلى 28.3% من الاقتصاد العالمي في العام 2023. كما تُظهر بيانات منظمة التجارة العالمية، أن دول المجموعة تسيطر على نحو 20% من حجم التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
ويصل عدد سكان دول مجموعة بريكس مجتمعة إلى نحو 3.5 مليار نسمة، أي حوالي 45 % من سكان العالم، وبما يجعلها سوقاً واسعة زاخرة بالفرص.
ويوفر نمو دول البريكس فرصاً للمستثمرين في قطاعات مثل التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة المتجددة والأسواق الاستهلاكية.
شراكات اقتصادية
رئيس مؤسسة الدراسات الاقتصادية في الجزائر، حمزة بوغادي، يقول لـ CNBC عربية، إن “الجزائر تقوم بإصلاحات اقتصادية كبرى منذ أعوام، تستهدف من خلالها تنويع اقتصادها والخروج من التبعية أو الاعتماد على المحروقات، ولذلك تبحث كل الفرص المتاحة.
وفي سياق تلك الأدوات المستهدفة، تسعى الجزائر إلى تنويع الأدوات التمويلية، من خلال “نسج شراكات اقتصادية إقيلمية وقارية ودولية مع دول ومنظمات وبنوك تنموية، مثل بنك البريكس (بنك التنمية الجديد)”، بحسب بوغادي الذي يضيف: “لذلك ستكون مساعي الجزائر للانضمام لهذا البنك جولة جديدة في إطار هذا المسار”.
ويستطرد: “انضمام الجزائر لهذا البنك ومساهمتها بما يصل إلى 1.5 مليار دولار فيه، ستعطي الجزائر الثقل والحضور في هذا البنك الضخم؛ لتمويل عديد من المشاريع التنموية فيما يتصل بالبنية التحتية في الجزائر والإنشاءات المختلفة، علاوة على مشاريع التنمية والتنمية المستدامة، وكذا تطوير وتعزيز الأنظمة المعلوماتية والتطوير الاقتصادي من خلال إقامة مشاريع اقتصادية استراتيجية كبرى”.
ويشدد رئيس مؤسسة الدراسات الاقتصادية في الجزائر، في معرض حديثه مع CNBC عربية، على أن “الجزائر لديها الكثير من المقومات التي تجعلها في موقف جيد”، موضحاً أن الانضمام لهذا البنك من ناحية أخرى يتيح للبلاد تقصي الفرص الاستثمارية في ومن دول أخرى، أي سواء الاستثمار الأجنبي في الجزائر أو استثمارات الجزائر في دول أجنبية.. وهذا هو المسعى العام في إطار تنويع الأدوات الاقتصادية المختلفة”.
وتتمتع الجزائر بالقدرة على تنويع اقتصادها، والحد من اعتمادها على الواردات، وزيادة الصادرات خارج المحروقات، مع توفير فرص عمل بصورة مستدامة في القطاع الخاص. وبالرغم من أنه من المبكر إرجاع ذلك إلى الإصلاحات الأخيرة، فإن الأداء الاقتصادي المستدام يبعث على التفاؤل، كما ينبغي تعزيز الجهود الرامية إلى تحفيز استثمارات القطاع الخاص، بحسب البنك الدولي.