متى ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا؟
(سي ان بي سي)-23/04/2025
تعد العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا أحد أبرز الملفات العالقة في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، في وقت تستمر فيه هذه العقوبات في التأثير على مستقبل دمشق في ظل تغييرات كبيرة تشهدها الساحة السورية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في أواخر العام 2024.
تعتبر الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سوريا رهناً بشروط محددة تتعلق بتطبيق معايير خاصة تضمن استقرار المنطقة من وجهة نظرها، ومنع عودة القوى المهددة للأمن الدولي، خاصة إيران وتنظيم داعش.
وبحسب تقرير حديث نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، فإن الإدارة الأميركية قدمت للسلطات السورية مجموعة من الشروط التي يتعين على الحكومة السورية الوفاء بها لكي تُرفع العقوبات جزئيًا عن دمشق.
شروط أميركية
من أبرز هذه الشروط ما يتعلق بالتعاون في مكافحة الإرهاب، إذ طلبت واشنطن من الحكومة السورية إصدار “إعلان رسمي” يسمح لها بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب ضد الأفراد والجماعات التي تعتبرها تهديداً للأمن الأميركي. وهذا يشمل تنظيم (داعش) وأي منظمات متطرفة أخرى تعمل على الأراضي السورية.
ومن بين المطالب أيضاً إبعاد الفصائل الفلسطينية، إذ تطالب واشنطن بأن تتخذ الحكومة السورية خطوات فعلية لمنع أي نشاط لفصائل فلسطينية على أراضيها. ويشمل ذلك منع عمليات سياسية لهذه الفصائل والقيام بترحيل عناصرها إلى خارج الأراضي السورية. وهو الإجراء الذي يهدف إلى تهدئة المخاوف الإسرائيلية من تواجد هذه الفصائل بالقرب من حدودها.
كما تتضمن قائمة المطالب الأميركية الالتزام بالعمليات العسكرية الأميركية في سوريا، حيث يشترط الأميركيون أن تعلن الحكومة السورية دعمها للعملية العسكرية الأمريكية “Inherent Resolve”، التي تهدف إلى القضاء على وجود تنظيم داعش في سوريا.
هذه العملية تستدعي استمرار التعاون بين القوات الأميركية والفصائل الكردية في شمال شرق سوريا، التي تعتبرها واشنطن حليفًا أساسيًا في حربها ضد داعش.
وتطالب واشنطن أيضاً بإصلاحات داخلية في الحكومة السورية، من بينها تقديم خطوات ملموسة نحو بناء حكومة شاملة تضم جميع مكونات المجتمع السوري. ورغم أن هذه النقطة تثير شكوكًا حول قدرة النظام الحالي على تلبية هذه المطالب، فإن المطلوب هو ضمان وحدة البلاد واستقرارها، وفق التقرير.
تعامل حذر
ويقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: “إننا نواصل التعامل مع سوريا بحذر شديد.. حتى يثبت الشرع أنه نجح في تطهير حكومته من المتشددين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة، ويثبت أنه قادر على توحيد الأقليات المختلفة في سوريا”، وفق ما نقلته واشنطن بوست.
وقال المسؤول، وهو واحد من عدة مسؤولين أميركيين وأجانب تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لحساسية دبلوماسية: “لا نهدف بالضرورة إلى إنقاذ سوريا من أجل الشعب السوري.. نهدف إلى عدم عودة إيران وعودة تنظيم داعش، باعتبارهما المصلحة الأساسية للشعب الأميركي هناك”.
وأوضح رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جيمس إي. ريش (وهو جمهوري عن ولاية أيداهو)، في جلسة استماع عُقدت في فبراير/شباط: أن “الإفراط في التدخل في وقت مبكر قد يُفاقم المعضلات الأمنية. لكنّ عدم التدخل أو قلة التدخل سيمنح روسيا وإيران القدرة على ممارسة نفوذ كبير مجددًا”. ويفيد بأن “الوقت عامل حاسم هنا. الباب موارب، لكنه سيُغلق في وجوهنا إن لم نستغلّ وضعنا الحالي”.
وبناءً على تصريحات مسؤولين في الإدارة الأميركية، ما زالت واشنطن تتبنى سياسة حذرة تجاه سوريا. حيث تشير التقارير إلى أن المسؤولين الأميركيين يرون أن رفع العقوبات عن سوريا بشكل مفاجئ قد يفتح الباب أمام عودة النفوذ الإيراني في المنطقة، بالإضافة إلى عودة تنظيم (داعش). ولهذا، فإن الولايات المتحدة تتخذ نهجًا تدريجيًا في التعامل مع الحكومة السورية، حيث ترى أن أي تغيير يجب أن يكون مشروطًا بمدى التزام النظام السوري بالمعايير الدولية.
تباينات بين الحلفاء
ورغم هذا الحذر الأمريكي، يرى العديد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أن استمرار الضغط على الحكومة السورية عبر العقوبات لن يسهم في تحفيز الإصلاحات اللازمة في سوريا. وبحسب هؤلاء، فإن رفع العقوبات جزئيًا، شريطة تنفيذ الشروط المحددة، قد يساعد في تحفيز الحكومة السورية على اتخاذ خطوات ملموسة نحو إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق بعض الاستقرار الداخلي.
وتعد مواقف حلفاء الولايات المتحدة من الملف السوري ذات أهمية بالغة في هذا السياق. ففي الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول الأوروبية إلى رفع العقوبات تدريجيًا لدعم إعادة إعمار سوريا، يظل الموقف الأميركي حذرًا، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.
وفي حين يرى بعض الحلفاء أن العقوبات تُعيق جهود بناء الدولة السورية بعد انتهاء الحرب، يصر آخرون على ضرورة الحفاظ على الضغوط إلى أن تُظهر الحكومة السورية استعدادًا حقيقيًا للتخلي عن العناصر الراديكالية وإعادة بناء النظام السياسي بطريقة شاملة.
وتشير المعطيات الحالية إلى أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يعتمد بشكل أساسي على تنفيذ حكومة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لبعض الالتزامات الدولية التي تتوافق مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وبالرغم من أن الظروف الراهنة قد تفتح الباب أمام بداية مرحلة جديدة في سوريا، فإن تحرك الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه يبقى مشروطًا بتقيد الحكومة السورية بمستوى عالٍ من الشفافية والإصلاحات، وهو ما قد يستغرق وقتًا طويلًا.
ونقل تقرير واشنطن بوست عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، قوله: “نحن ننظر إلى أفعالهم (القيادة السورية الجديدة)، لا إلى أقوالهم”. ولا تزال واشنطن متشككة بشأن الحكومة السورية الجديدة، التي تفتقر إلى تمثيل يُذكر للأقليات، بينما تضم في مناصب بارزة مقاتلين أجانب متطرفين لعبوا أدوارًا رئيسية في الإطاحة بالأسد. وانتقد المسؤول أن الإعلان الدستوري للحكومة المؤقتة.
تفاؤل
فيما أبدى كبير مفاوضي ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، نظرةً أكثر تفاؤلاً تجاه الحكومة الجديدة. وقال ويتكوف في مقابلةٍ الشهر على قناة فوكس نيوز: “تشير الدلائل إلى أن (الشرع) أصبح شخصًا مختلفًا عما كان عليه سابقًا”.
وأضاف ويتكوف: “الناس قادرون على التغيير”. وأضاف أن تطبيع العلاقات مع سوريا قد يكون جزءًا من اتفاق سلام “ملحمي” في جميع أنحاء الشرق الأوسط.