مجلس الأمن يسمح لليبيا إستثمار محفظة أصولها في الخارج للمرة الأولى منذ 2011
(النهار)-22/01/2025
أصدر مجلس الأمن الدولي، قراراً يسمح للمؤسسة الليبية للاستثمار بإدارة أصولها المجمدة منذ عام ٢٠١١، في خطوة أثارت تبايناً في ردود الفعل، ومخاوف من أن يطاول الفساد المستشري في هذا البلد اصوله في الخارج، والتي تقدر بعشرات مليارات الدولارات.
وجاء القرار الذي قدمت مشروعه بريطانيا، وحظي بموافقة 14 عضواً فيما امتنتعت روسيا عن التصويت، بعد توصية فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، بالسماح لمؤسسة الاستثمار الليبية باستثمار احتياطاتها النقدية التي تحتفظ بها حالياً مؤسسات مالية أوروبية في ودائع لأجل مخفوضة المخاطر، والاحتياطات النقدية التي يحتفظ بها مديرو صناديق الاستثمار في أدوات الدخل الثابت، على أن تظل الفائدة المستحقة على الاستثمارات مجمدة.
وللمرة الأولى يُعدل مجلس الأمن قراره الصادر مطلع عام 2011، المتعلق بتجميد أرصدة ليبيا في الخارج، والذي كان يهدف إلى تحصين ثروة البلاد في الخارج ومنع التلاعب بها في ظل الصراعات التي أعقبت حوادث شباط (فبراير)، وفق ما يوضح استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية الدكتور سليمان المزيني.
وتأسست المؤسسة الليبية للاستثمار عام 2006 بهدف استثمار الأموال الفائضة من عوائد النفط وتنميتها، بحيث أصبحت صندوقاً سيادياً لليبيا، وتُقدر محفظة استثمارتها بنحو 67 مليار دولار موزعة على ودائع أجنبية وأسهم ومحافظ استثمارية في دول أوروبية على رأسها بريطانيا وفرنسا ودول آسيوية وإفريقية إضافة إلى الولايات المتحدة، وفق الخبير المالي والأقتصادي الدكتور سامح الكانوني، الذي يلفت إلى أن قرار مجلس الأمن الآخير “لا يعني إدارة محفظة الأصول بمجملها، وإنما يقتصر على استثمار الأصول النقدية فقط والتي تبلغ قيمتها نحو 10 مليار ات دولار”، مشيراً لـ”النهار” إلى أن مجلس الأمن “أوصى باستثمار هذه الاموال إما من خلال ودائع نقدية وإما من سندات حكومية مع بقاء تجميد الأموال الليبية وفرض الحراسة عليها”.
وبالمثل، يوضح الخبير الاقتصادي الليبي محسن الدريجة لـ”النهار” أن المؤسسة الليبية للاستثمار “لديها مليارات الدولارات في حسابات راكدة وليست مستثمرة. مجلس الأمن سمح باستثمار هذه الاموال في ودائع قليلة المخاطر لدى مؤسسات مالية، وفق شروط محددة، على أن تبقى مجمدة من دون السماح بسحبها او التصرف بها”.
بدورها، عدّت المؤسسة الليبية للاستثمار قرار مجلس الأمن “خطوة نحو تعديل تدابير تجميد الأصول الليبية للسماح بإعادة استثمارها، ويعكس نجاحها في تعزيز الحكومة والشفافية، واعتماد المعايير الدولية لإعداد القوائم المالية المجمعة”. وأوضحت في بيان، الجمعة، أن القرار “يسمح لها باستثمار الاحتياطيات النقدية المجمدة في ودائع زمنية لدى المؤسسات المالية الدولية القليلة المخاطر مع بقائها مجمدة مع عوائدها”، كما كفل القرار للمؤسسة “إعادة استثمار النقد المتراكم لدى مدراء صناديق الاستثمار مع بقائه وعوائده مجمدة”. كذلك فتح الباب أمام “إعادة النظر خلال الفترة المقبلة في باقي بنود خطة إعادة استثمار الأصول المجمدة القصيرة المدى”.
لكن أستاذ الاقتصاد المزيني تحفظ عن القرار “رغم تقيده في ظل المشهد السياسي وانقسام المؤسسات”. وتساءل: “من الذي سيُدير استثمار هذه الأموال؟. لدينا حكومتين إحداهما في الغرب والآخرى في الشرق، ما سيُسبب ارباكاً لعمل مؤسسة الاستثمار، وسيضع على كاهلها الكثير من التحديات، وهو أمر لايخدم استثمار هذه الثروة، ويفتح المجال للتلاعب بالأرصدة في ظل الفساد المستشري في المؤسسات الليبية. ياللاسف ليبيا تحتل مقدمة الدول الاكثر فساداً على مستوى العالم وفق مؤشرات منظمة الشفافية العالمية”، مضيفاً لـ”النهار”: “في ظل ما تعانية ليبيا على المستويات السياسية والأمنية وحتى القانونية نسعى إلى الحفاظ على ما تمتلكه من ثروة من دون المساس به”، لافتاً إلى أن “هناك العديد من الاستثمارات خصوصاً في إفريقيا طاولها الفساد وضاعت خلال السنوات الماضية”.
أما الخبير المالي الكانوني، فدافع عن قرار مجلس الأمن الذي “يصب في مصلحة الدولة الليبية لحماية أصولها، ويحقق نوعاً من السيادة المالية، كما يضمن عدم تأكل قيمة الأموال بمرور الزمن”، مؤكداً لـ”النهار” أن المؤسسة الليبية للاستثمار “مستقلة وهي بعيدة من الصراع السياسي وتُدير اصولها تحت رقابة دولية ومحلية”، مشيراً أيضاً إلى أن المؤسسة تعاقدت قبل أشهر مع إحدى كبر يات شركات الاستشارات المالية في العالم لتقديم خدمات استشارية في ما يتعلق بإدارة جميع العمليات الاستثمارية، أو ما تُسمى منظومة “موريكس”.
وهو ما اكدته ايضاً مصادر دولية تحدثت الى “النهار”، لافتة إلى أن تمرير قرار مجلس الأمن “جاء بعد تشديد الرقابة الأميركية على آلية انفاق ليبيا”. واشارت في هذا الإطار، إلى توقيع رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، الخميس الماضي، مذكرة تفاهم مع شركة كيمونيكس الدولية، وهي شركة تنمية أميركية دولية خاصة مقرها واشنطن، بهدف تعزيز القدرات المهنية للديوان، في حضور القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا جيرمي برنت.
وأوضح الديوان في بيان أن هذا البرنامج يهدف إلى تزويده أدوات فعالة لتعزيز الشفافية والمساءلة في القطاع العام في ليبيا، ودعم تطبيق معايير الرقابة الدولية، مشيراً إلى أن شكشك عقد لقاءاً مع برنت ناقش أهمية الأعمال الرقابية التي يقوم بها ديوان المحاسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة، وأهمية الاستقلالية والحياد لدعم صدقيته.