من التحذير إلى التنفيذ.. السعودية تفتح الباب أمام العملات المستقرة
(سي ان بي سي)-31/10/2025
ظهرت العملات المستقرة المشفّرة في السنوات الأخيرة متصدّرةً المشهد المالي، إذ شكّلت في عام 2023 نحو 13% من القيمة السوقية لجميع العملات المشفّرة، وهو رقم لا يمكن تجاهله خاصة مع تزايده المستمر.
وتعد العملات المستقرة نوعًا من العملات الرقمية المرتبطة بأصل آخر، وغالبًا ما تُعرَّف بأنها نقود رمزية تُصدرها مؤسسات خاصة على سلاسل كتل عامة مثل “إيثريوم”، وتكون مدعومة باحتياطيات مدققة، لكنها ليست عملة قانونية رسمية.
ومن أبرز الأمثلة تيثر (USDT) وسيركل (USDC) ويورو كوين فيرتيبل (EURCV)
وتُعد عملة “التيثر USDT” الأكثر انتشارًا عالميًا منذ إطلاقها عام 2014 في هونغ كونغ، وقد هيمنت على تعاملات الأسواق المالية، خصوصًا في الدول التي تشهد تقلبات حادة في سعر صرف عملتها أمام الدولار.
وفي قطاع الفوركس يتجه عدد كبير من المتداولين في شمال إفريقيا لتغذية حساباتهم عبر USDT لتجنب تقلبات العملات المحلية.
ووفقًا لبيانات بنك التسويات الدولية (BIS)، تجاوزت المعاملات عبر العملات الرقمية والمستقرة خلال العام الماضي 9 تريليونات دولار، منها 1.2 تريليون دولار في سبتمبر 2025 فقط.
كما أشار تقرير TRM Labs للفترة من يناير إلى يوليو 2025 إلى أن العملات المستقرة شكّلت 30% من إجمالي تعاملات العملات المشفّرة، بإجمالي حجم معاملات يزيد على 4 تريليونات دولار خلال تلك الفترة، أي بزيادة قدرها 83% مقارنةً بعام 2024.
في المقابل، ذكرت McKinsey & Company أن حجم التعاملات السنوي بالعملات المستقرة تجاوز 27 تريليون دولار بحلول منتصف 2025.
وبناءً على ذلك، أصبح من الضروري لأي مؤسسة مالية أو تكنولوجية تعمل في مجال المدفوعات أن تبدأ في تطوير قدراتها لاستيعاب المدفوعات الرمزية، في حين ينبغي للمؤسسات التقليدية تحديث بنيتها التقنية لدعم هذا التحوّل الرقمي في أساليب الدفع.
بين الابتكار والرقابة.. السعودية توازن المعادلة وتقود التحول
تقترب السعودية اليوم من دمج العملات المستقرة ضمن نظامها المالي في إطار رؤيتها لجذب الاستثمارات الأجنبية على نطاق واسع، في خطوة تُمثل امتدادًا لتوجهها نحو الابتكار المالي.
ففي أكتوبر 2017، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (SAMA) عن مشروع تجريبي لإصدار عملة رقمية محلية (الريال الرقمي) تُستخدم في المعاملات بين البنوك وفي يوليو 2025، عيّن البنك المركزي السعودي (SAMA) الخبير محسن الزهراني رئيسًا لمشروعات الأصول الافتراضية والعملات الرقمية للبنك، في خطوة تشير إلى اتجاه المملكة نحو العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC) أكثر من العملات المشفّرة الخاصة.
كما أطلقت السعودية أول سوق للرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) بدعم من وزارة الاستثمار هذا العام، في خطوة تعكس بعدًا استراتيجيًا يسهم في تسريع الاستثمارات العابرة للحدود، خصوصًا في القطاع العقاري.
حيث تعمل المملكة الآن على إشراك هيئة السوق المالية والبنك المركزي في تطوير البيئة التنظيمية الرقمية وزيادة عدد المشاركين في البيئة التجريبية التنظيمية (Sandbox)، بهدف جعل السوق العقارية السعودية وجهة عالمية أولى.
وخلال مؤتمر “بروبتك” في الرياض، أشار وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد الحقيل إلى أن المملكة تقترب من إقرار العملات المستقرة كنظام للتسويات المالية للمستثمرين العالميين، موضحاً أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام جذب استثمارات أجنبية مباشرة على نطاق واسع.
وأضاف أن هذه المبادرة ستمكّن مطوري العقار في الرياض من الحصول على رأسمال موثوق من لندن أو سنغافورة في ثوانٍ معدودة، مع الامتثال الكامل لقوانين البيانات والأنظمة المالية السعودية، مشيراً إلى أن كل ريال أو دولار رقمي سيكون مدعوماً باحتياطيات يمكن للجهات التنظيمية مراقبتها والتدقيق عليها.
وفي السياق نفسه، أوضح الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار عبدالله الحماد أن 60 شركة تقدمت بأفكار ابتكارية في مجال تقنيات القطاع العقاري، تعاملت معها الهيئة لتطوير حلولها، حتى تم تأهيل 4 شركات للعمل فعلياً تحت مظلة البيئة التنظيمية.
وتصور السعودية العملات المستقرة كحجر أساس للبنى التحتية المقبلة للمدفوعات الرقمية، وإذا جرى دمجها بعناية وفق القيم والأنظمة، فستدعم سيادة المملكة المالية وتسهم في بناء نظام مالي مستقبلي متكامل
في ظل طفرة العملات المستقرة.. بنك التسويات الدولية يحذر!
حذر بنك التسويات الدولية (BIS) في أحدث تقاريره من أن العملات المستقرة تفشل في أداء وظائف النقود الحقيقية، لأنها تفتقر إلى الاستقرار المالي والمرونة والسيادة النقدية التي تميز العملات الصادرة عن البنوك المركزية، وأشار البنك إلى أن ارتباط العملات المستقرة بأنظمة الدفع التقليدية يجعلها عرضة لمخاطر الثقة والسيولة، ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي إذا توسع استخدامها دون رقابة.
كما نبّه التقرير إلى أن انتشار العملات المستقرة العالمية قد يهدد سيادة السياسات النقدية في الأسواق الناشئة، داعيًا إلى أطر تنظيمية صارمة تضمن الشفافية والاحتفاظ الكامل بالاحتياطيات وتمنع تحوّلها إلى بديل موازٍ للنقود الرسمية.
بهذا التحوّل، تمضي السعودية من موقع المراقب إلى صانع القواعد في عالم التمويل الرقمي، مستثمرةً في توازن دقيق بين الابتكار المالي والسيادة النقدية فبين التحذير والتطبيق، تبدو المملكة اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى قيادة المشهد الإقليمي في عصر العملات المستقرة.

 
  
  
 