مواجهة الركود الاقتصاديّ بإقتصاد الحرب؟!
(الجمهورية)-19/08/2024
*د. فؤاد زمكحل
شهد اقتصاد الولايات المتحدة منذ أسبوع أكبر تراجع مالي ونقدي منذ أكثر من 3 سنوات، فما هي التداعيات الاقتصادية على بلاد الـ “عم سام”، كما على أوروبا وآسيا؟ وما تأثيرها على منطقة الشرق الأوسط ولبنان؟
إنّ التراجع الدراماتيكي لبورصات الولايات المتحدة، بعض الخبراء يسمّونه «تراجعاً»، والبعض الآخر «انهياراً»، والبعض الثالث يتحدّثون عن “تصحيح” متوقع لإعادة بعض التوازنات.
ما هي الأسباب الرئيسية لهذا التراجع والركود والجمود الاقتصادي الراهن؟
السبب الأول، يتمثّل بتراجع اقتصادات أوروبا وآسيا، والتبادل التجاري مع الولايات المتحدة منذ أكثر من 3 سنوات والذي جمّد النمو، في جو تضخمي الذي أدى إلى ما يسمّى بالركود التضخمي (Stagflation).
السبب الثاني، يتمثّل بالبطالة في الولايات المتحدة، التي تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد ووصلت إلى القمم الأعلى منذ 3 سنوات.
السبب الثالث يتمثّل بتأخّر «الفدرالي الأميركي» بخفض الفوائد التي كانت مرتفعة جداً، على الدولار الأميركي، وخفّفت الاستثمارات ونجم عنها إنكماش وركود إقتصادي في الولايات المتحدة.
السبب الرابع يتمثّل بأنّ بعض المضاربين كانوا يتوقعون حرباً شاملة تدخل فيها الولايات المتحدة مع استثمارات باهظة قد تؤثّر على سوق البورصات، فهذا التراجع كان مقدمة، مَبنيّاً على بعض التوقعات.
أمّا المخاطر المستجدة والخوف الكبير، فهو حينما يشهد العالم إنكماشاً وتراجعاً اقتصادياً ولا سيما ركود بعض الدول العظمى، وتراجع اقتصاداتها، نخشى أن تلجأ وتحفّز بعض الحروب، وهي كالعادة حروب بالإنابة، لأنّ الحقيقة المرّة هي أنّ الحروب تحفّز اقتصاد الحرب، وتنمّي صناعة وبيع الأسلحة، وتعيد بعض الإنماء، وضخ السيولة في جو الركود.
فمخاوفنا كبيرة من أن يكون الشرق الأوسط الأرضية المثالية لهذه الحرب الجديدة، ويدفع ثمنها اقتصادات وشعوب المنطقة، على حساب بعض الأغراض والأهداف المخفية وهي اللجوء إلى اقتصاد الحرب لمواجهة الركود وإعادة الإنماء في ظل هذا التراجع الدراماتيكي.
أمّا التداعيات المباشرة على لبنان، فالمضحك المبكي أنّ لا تداعيات اقتصادية، مالية ونقدية على إقتصادنا الوطني، لأن من جهة، لا وجود لقطاع مصرفي حقيقي لا بل هناك مصارف “زومبي”، ليس لها أي تعرّض إلى الأسواق المالية الدولية. أمّا بالنسبة إلى سعر الصرف، من جهة أخرى، فهنا أيضاً لا مخاطر كبيرة لأيّ تقلُّبات لأنّنا أصبحنا سوقاً مُدَولرة بامتياز وانسحبت من السوق كمية كبيرة من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية التي خسرت أكثر من 90% من قيمتها.
إنّ التداعيات المباشرة قد تكون على سعر الذهب الذي خسر أكثر من 150 دولاراً على قيمة الكيلوغرام. لكن حتى هنا لا تأثير كبيراً لأن لا مشروع لبيع أو شراء الذهب لا بل إنّه فقط دعم بسيكولوجي وقيمة بسيكولوجية للبنان واللبنانيين.
في المحصّلة، إنّ تراجع بورصات الولايات المتحدة لن يؤثّر مباشرة على اقتصاد لبنان، الذي انهار منذ نحو 5 سنوات، من دون أي خطة إصلاحية أو إنقاذية ومن الصعب التراجع إلى أكثر من القعر الذي وصلنا إليه. أمّا المخاطر الكبيرة فهي أكثر من أن تلجأ الدول العظمى إلى إفتعال نار البارود في منطقتنا واللجوء إلى اقتصاد الحرب وإنماء صناعة وتجارة الأسلحة الثقيلة لمواجهة الجمود والركود المستشري وإنماء الإستثمارات لإعادة الإعمار في بعض المناطق الدولية. فلبنان في عين العاصفة في منطقة تغلي أكثر فأكثر مع مخاطر حرب تزداد يوماً بعد يوم، لكن أيضاً مع بعض المفاوضات من وراء الستارة، فنعيش اليوم كابوس الحرب الشاملة. لم لا نحاول أن نعيش في حلم السلام؟