نحو 100 مليار دولار من المصريين بالخارج
(الوفد)-09/06/2025
شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة، سجلت نحو 26.4 مليار دولار خلال تسعة أشهر، من يوليو 2024 إلى مارس 2025، بزيادة سنوية بلغت 82.7% مقارنة بنحو 14.4 مليار دولار فى نفس الفترة من العام السابق. وخلال الربع الأول من عام 2025، ارتفعت التحويلات بنسبة 86.6% على أساس سنوى، لتصل إلى نحو 9.4 مليار دولار مقابل 5 مليارات دولار فى نفس الفترة من عام 2024. أما على المستوى الشهرى، فقد سجل شهر مارس 2025 تحويلات بلغت 3.4 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 63.7% مقارنة بـ2.1 مليار دولار فى مارس 2024.
ماذا تعنى هذه الأرقام؟ وما أهمية التحويلات للاقتصاد المصرى، خاصة فى ظل الأزمات والتقلبات العالمية؟
تعد تحويلات المصريين بالخارج أحد أهم مصادر النقد الأجنبى للاقتصاد المصرى، حيث تحتل المرتبة الثانية بعد الصادرات. وتسهم هذه التحويلات بشكل مباشر فى دعم الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى، وفى تمويل الواردات وسداد الالتزامات الدولية، كما تمثل مصدرًا مهمًا لتقليل الاعتماد على القروض الخارجية.
وتعد التحويلات ركيزة أساسية لتحريك عجلة الاقتصاد المحلى، حيث تدخل بشكل مباشر فى تمويل نفقات الأسر، ما يسهم فى زيادة الاستهلاك الداخلى وتنشيط الأسواق، فضلاً عن دورها فى تقليل معدلات الفقر فى العديد من المحافظات. كما تسهم فى تقليص العجز فى ميزان المدفوعات، وتوفير السيولة للجهاز المصرفى بما يتيح تمويل المزيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمويل الأفراد.
وتمثل تحويلات المصريين بالخارج قارب نجاة حقيقيًا للاقتصاد المصرى، فهى تدعم الجنيه، وتوفر تدفقات نقدية مستدامة، وتخفف من حدة الأزمات الاقتصادية.
ورصد الأرقام لا يكفى، بل يجب أن يكون هناك هدف وطنى واضح لزيادة هذه التحويلات واستثمارها بالشكل الأمثل.
فهل نكتفى بهذه الأرقام ونقول إننا حققنا إنجازًا تاريخيًا؟
الإجابة لا، بل يجب أن تضع الدولة هدفًا استراتيجيًا للوصول إلى 50 مليار دولار سنويًا عام 2027، ثم 100 مليار دولار بحلول عام 2030. هذا الهدف ليس مستحيلًا، لكن يحتاج إلى إرادة وخطة تنفيذ واقعية، وأن يعمل الجميع على تنفيذه وما هى أدوات تنفيذ هذا الهدف؟
الثقة كلمة السر
الثقة لن تُبنى بالإعلانات ولا بالتصريحات الرسمية، بل بالاقتراب الحقيقى من المصريين بالخارج، والاستماع إليهم والتفاعل مع احتياجاتهم. لا بد أن يخرج المسئولون عن شئون الجاليات من مكاتبهم، ويتعاملوا مباشرة مع المواطنين بالخارج، وأن يفهموا أوضاعهم الحقيقية، والمرونة مع ظروفهم، فمثلًا لا يعقل أن يطلب من المصرى تسديد أقساط ما أخذ من الدولة من أراض أو وحدات سكنية بالدولار بعد أن فقد عمله بالخارج وعاد إلى مصر.
سعر صرف مستقر
الاستقرار فى سعر الصرف عنصر أساسى لتشجيع التحويلات الرسمية. قد تم تحقيق هذا الإنجاز واختفت السوق السوداء، ولكن تبقى هناك مخاوف من عودتها مستقبلًا، ولذلك فإن المحافظة على سعر صرف واقعى وجاذب ستعزز ثقة المصريين فى الخارج فى النظام المصرفى الرسمى، وتختفى مخاوف التعرض لصدمات انهيار العملة والذى يتكرر من وقت لآخر.
أدوات استثمارية
يجب توفير أدوات ادخارية واستثمارية مخصصة للمصريين بالخارج، مثل الشهادات الدولارية بعائد مجزٍ مع مرونة فى تحويل العائد للخارج، وصناديق استثمارية بالعملة المحلية أو الأجنبية، ويتم السماح للمغترب وغير المغتربين بتحويل أمواله بسهولة إلى العملة التى تنازل عنها عند الدخول فى هذا الاستثمار، وهذا يعزز الشعور بالأمان المالى ويشجع على مزيد من الاستثمار.
خفض الرسوم
ارتفاع الرسوم بشكل مبالغ فيه يمثل عائقًا كبيرًا أمام التحويلات الرسمية، ويجب أن تكون خاضعة لرقابة البنك المركزى، مع وضع حد أقصى واضح يمنع المغالاة من جانب البنوك أو شركات التحويل، إلى جانب الاعفاء من الرسوم للمبالغ الصغيرة.
خلق الفرص
يجب أن تتوفر أمام المصريين فى الخارج فرص استثمار مجدية وواضحة سواء فى القطاع العقارى أو الصناعى أو مشروعات الدولة الكبرى، وتوضيح كل ما يتعلق بهذه الاستثمارات والضرب بيد من حديد على كل من يقوم بعمليات النصب على المصريين بالداخل والخارج، أو التأخير فى المشروعات وإمامنا نموذج صارخ هو شركة كايرو كونسلت التى أخذت الأرض من عام 1998 لتبنى مشروعًا سكنيًا تحت اسم «سرايات القطامية» وما زال المشروع مستمرًا، وهناك تأخير فى السداد لأكثر من 10 سنوات، وعمارات جاء موعد استلامها ولم تبنَ رغم سداد كامل الثمن، ومشاكل فى الخدمات، والضغط على ملاك الوحدات السكنية لدفع 50 ألف جنيه ثمن عداد الكهرباء المدعم من الدولة، والكثير والكثير وخالفت الشركة قرار التخصيص من محافظة القاهرة، والمحافظة لا تحرك ساكنًا وملاك الوحدات سواء من المصريين بالخارج أو الداخل أو العرب فى معاناة والحكومة ملتزمة الصمت.
الشفافية
لا بد من تعزيز الشفافية فى التعامل مع ملفات المصريين بالخارج، والإفصاح بوضوح عن أية تحديات أو مشكلات، وشرح سبل التعامل معها. فالثقة تنمو عندما يشعر المواطن أن الدولة صادقة معه، حتى فى الأوقات الصعبة. ويجب أن تكون هناك مستهدفات أمام موظفى الدولة فى الدول المختلفة، وأن يتم وضع كل الفرص الاستثمارية أمامهم من أجل تسويقها للمصريين بالخارج مع أهمية الإفصاح والشفافية كل كل تفاصيل هذه الفرص، والمخاطر قبل المكاسب.
المشاركة والدمج
يجب ربط المغتربين بالوطن من خلال برامج التواصل مع الجاليات، وإشراكهم فى المشروعات المختلفة، ولا يجب أن يكون هذا قاصرًا على فئة محددة من المصريين، وإنما على جميع المصريين، العامل البسيط قبل أصحاب الثروات، فهذا من شأنه، يعزز الانتماء ويدعم الاقتصاد.
تحويلات المصريين بالخارج ليست مجرد تحويلات مالية، بل هى شريان حياة للاقتصاد المصرى، وركيزة أساسية للاستقرار المالى. فهل نحن مستعدون لبناء جسور الثقة وتحقيق هذا الهدف الوطنى الطموح؟ وهل أنتم قادرون؟!