هل من تبعات نقدية أو مصرفية على توقيف سلامة؟
(النهار)-06/09/2024
ما بين ملف فارغ كما قيل، وتوسع في التحقيق استدعته معلومات ومستجدات وفق النيابة العامة، وظهور شبهات في اختلاس عشرات ملايين الدولارات من أموال مصرف لبنان، سقط رياض سلامة حيث لم يكن يتوقع، أو أسقطت عنه الحمايات السياسية، التي اتهم بحضانتها مقابل تحصينها له.
ولعل أكثر الأسئلة تداولا في الساعات الماضية: هل تم استدراج سلامة إلى مصيدة قضائية؟ ولمَ لم يسعفه حدسه الثاقب في تجنبها، فحضر إلى العدلية معززا باطمئنان وثقة ببراءته وخلو الملف المستدعى للتحقيق فيه من القرائن والأدلة، متخليا عن مواكبته الأمنية المعتادة، أو مرافقة أحد من محاميه الكثر، ومتجاوزا حقه في حضور محام جلسة التحقيق، التي كانت توقفت ورُحّلَت إلى موعد لاحق لو تمسك بهذا الحق؟
اللافت في التوقيف أمران: الأول أن أحدا لم يكن على علم بموعد جلسة التحقيق، على عكس ما كان يحصل في الجلسات السابقة، وموافقة سلامة والمدعي العام التمييزي على سريتها، ما جعل مفاجأة التوقيف عرضة للأسئلة والاستفسارات عن أهدافها ومراميها.
والأمر الثاني، إشارة المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار أمام الإعلاميين، إلى أن سلامة “موجود في مكان آمن، قيد التحقيق”، وهو ما أثار موجة أسئلة تحاول سبر أغوار عبارة “مكان آمن”. فهل يرى الحجار بحكم موقعه واطلاعه على ملفات التحقيق من جهة، وأهمية الموقوف وما لديه من أسرار ومعلومات من جهة أخرى، أن سلامة عرضة لخطر ما؟
يدخل الحاكم السابق لمصرف لبنان السجن في أكثر لحظات البلاد حراجة اقتصاديا وسياسيا، وسط تصعيد شعبي وسياسي، وضغوط دولية على القضاء اللبناني تطالبه بالتعجيل في حسم قراره في الملفات العالقة أمامه، وخصوصا التحقيقات في مصرف لبنان، من جهة لحساسية المؤسسة، ومن جهة أخرى لتداخل هذه الملفات مع ادعاءات في أوروبا وأميركا.
يبقى السؤال عن المدى الذي سيذهب إليه التحقيق، وهل يستمر في فتح الملفات الكبيرة و”الدسمة”، وفضح المرتكبين في أي موقع كانوا، وتحت أي عباءة يقبعون؟ وهل تساعد التحقيقات مع سلامة أو مع من سيستدعى لاحقا، في تحديد حجم مسؤولية كل من الدولة ومصرف لبنان والمصارف في الانهيار النقدي، والخروج لمرة واحدة بأجوبة شافية، تساعد على بناء خريطة للإنقاذ الاقتصادي والمالي؟
لا تأثير يعتدّ به على الوضعين الاقتصادي والنقدي لتوقيف سلامة، فهو خارج الموقع حاليا، والليرة التي كانت تهتز خوفا من غياب دوره في مصرف لبنان، صارت خارج الخدمة نسبيا، ووقع المحظور الذي كان الجميع يخافونه، وقد ائتمنوا سلامة لعقدين على منعه، فيما السياسات التي يمارسها المركزي حاليا تجاه ضبط سعر الصرف، وشفط السيولة والتضخم، كافية لتحصين الاستقرار مرحليا، وتمرير الأزمات.
إلى ذلك، تستبعد مصادر متابعة تأثير توقيف سلامة على الملفين النقدي والمصرفي لاعتبارات عدة. فبالنسبة إلى إمكان ارتفاع سعر صرف الدولار، تشير إلى أن السياسات الجديدة التي اعتمدها مصرف لبنان أخيرا، “أدت إلى انخفاض الكتلة النقدية بأكثر من 25% منذ بداية عام 2023، لتصل إلى 57 تريليون ليرة حاليا. أما الاحتياطات الأجنبية للمصرف المركزي، فسجلت فائضا فاق المليار و800 مليون دولار منذ آب 2023، لتصبح 10,388 مليار دولار في مقابل كتلة نقدية دون الـ 700 مليون دولار”، وتاليا لا خوف مطلقا على سعر الصرف.
إلى ذلك، يعتبر البعض أن توقيف سلامة قد يساهم إيجابا في إمكان إبعاد لبنان عن اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي بعد إجراء تقييمها النهائي في شهر أيلول الجاري، بيد أن المصادر عينها تؤكد أن لبنان يتجه نحو إدراجه في اللائحة الرمادية حتى مع توقيف سلامة. فالقرار اتخذ، والتقييم أجري وتبين أن لبنان متعاون وخصوصا في ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذها مصرف لبنان بالحد من الكاش وضبط الأمور النقدية الأخرى بما يخفف تبييض الأموال. أما النواحي التي تعاون فيها لبنان جزئيا، فتتعلق بملاحقة ملفات الفساد وبطء الإجراءات والقرارات القضائية التي لا يزال الكثير منها في الأدراج، وكذلك موضوع تحديث القوانين المتعلقة بتبيض الأموال.
وتؤكد المصادر أن “الحاكم هو خزان أسرار الدولة والمصارف، وتاليا إذا تم تحميله وحيدا المسؤولية وخراب الدولة، فقد يكون للملف تداعيات كبيرة، خصوصا في حال التوسع في التحقيقات وتبين تورط المصارف في موضوع الاستشارات”، مؤكدة أن التحقيق يجب أن يشمل ملفات أخرى تتعلق بالهدر في مالية الدولة وفي مقدم ذلك ملف الكهرباء والطاقة”.
من جهتها، تذكّر مصادر مصرفية بأن سلامة أصبح ملاحقا عالميا، وأدرجته الولايات المتحدة بعد 10 أيام على انتهاء ولايته حاكما لمصرف لبنان، في لائحة العقوبات. وبعد العقوبات الاقتصادية الأميركية والكندية والبريطانية عليه، أصدرت هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في مصرف لبنان قرارا بتجميد حساباته المصرفية ورفع السرية عنها تجاه المراجع القضائية المختصة، وتاليا لا انعكاسات على المصارف بل العكس هو الصحيح. فعدم اتخاذ أي إجراءات محليا قد ينعكس سلبا على لبنان عموما.
ولكن ماذا في حال توسع التحقيق ليشمل مصارف يمكن أن تكون متورطة في ملف “أوبتيموم”؟ المصادر عينها تؤكد أن المصارف التي قيل إنه تم عبرها دفع العمولات غير المشروعة من حساب الاستشارات بقيمة 111.3 مليون دولار أصبحت معروفة. وإذا طالها التحقيق، فإن التركيز سيكون على مدى إدراكها خلفيات الملف أو العمولات وشرعيتها، لقبول التحويل.
واعتبرت المصادر أن التحقيق مع سلامة هو في سياقه الصحيح لكنه لن يكون كافيا ما لم يستتبع بإجراءات قضائية تتعلق بملفات تبييض الأموال التي تم تحويلها من هيئة التحقيق الخاصة، وتحديدا الحالات المتعلقة بالمحميين سياسيا.