أربعة مخاطر سلبية تبعث القلق في الاقتصاد العالمي
(الإقتصادية)-24/10/2025
بيير–أوليفييه غورينشا*
بوجه عام، رغم استقرار الأوضاع في النصف الأول من العام، تظل الآفاق هشة، والمخاطر مائلة نحو التطورات السلبية. فتنشأ المخاطرة الرئيسية من احتمال زيادة ارتفاع التعريفات الجمركية نتيجة لتجدد التوترات التجارية وعدم تسويتها، وهذا من شأنه، إذا صاحبته انقطاعات في سلاسل الإمداد، أن يفضي إلى انخفاض في الناتج العالمي قدره 0,3% العام المقبل. وإلى جانب ذلك، هناك 4 مخاطر سلبية تأتينا ببطء وتبعث على القلق بصفة خاصة:
أولا: الذكاء الاصطناعي، طفرة واعدة أم خطر لائح؟
طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي اليوم تردد أصداء ازدهار الدوت كوم في أواخر التسعينيات. والتفاؤل يحفز الاستثمارات التكنولوجية، ويرفع تقييمات الأسهم، وينعش الاستهلاك من خلال مكاسب رأس المال. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع سعر الفائدة المحايد الحقيقي. واستمرار هذه الطفرة بغزارة قد يقتضي تشديد السياسة النقدية تماما كما كانت عليه الحال في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
لكن هناك وجها آخر أيضا. قد تتجه الأسواق إلى تعديل حاد للأسعار، خاصة إذا لم يستطع الذكاء الاصطناعي أن يبرر التوقعات بتحقيق أرباح هائلة. وسيؤثر ذلك بشكل ملموس في الثروة ويكبح الاستهلاك، وربما ترددت أصداء الآثار المعاكسة في أرجاء النظام المالي.
ثانيا: الصين وكفاحها الهيكلي
تظل الآفاق في الصين باعثة على القلق، فلا يزال قطاع العقارات متزعزعا بعد مُضي 4 سنوات على انفجار فقاعة العقارات. فالمخاطر على الاستقرار المالي كبيرة وآخذة في الارتفاع في حين تواصل الاستثمارات العقارية الانكماش، وبوجه عام لا يزال الطلب على الائتمان ضعيفا*، والاقتصاد متأرجح على حافة فخ دوامة من الدين والانكماش. وأسهمت صادراتها من الصناعات التحويلية في دعم النمو، لكن من الصعب معرفة إلى متى سيدوم هذا الأمر.
وحتى التحول نحو الاستثمار في قطاعات إستراتيجية جديدة مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية بالاستفادة من الدعم الواسع، مع زيادة الإنتاجية في هذه القطاعات، ربما أسهم في سوء توزيع الموارد بشكل كبير ككل وضعف مكاسب الإنتاجية الكلية. وعلى مستوى البلدان المختلفة، يمكن للسياسة الصناعية المساعدة على زيادة الإنتاج في قطاعات مستهدفة ولكن ينبغي التعامل معها بعناية* لأنها غالبا ما تجلب معها تكاليف مالية كبيرة ومستترة وتداعيات محتملة.
ثالثا: ضغوط مالية متصاعدة
يواجه كثير من الحكومات، بما فيها بعض الاقتصادات المتقدمة الكبرى، ضغوطا مالية متزايدة ولم يحقق سوى تقدم محدود في إعادة بناء الحيز المالي. فإذا لم يُتَّخَذ إجراء فوري، فستزداد الضائقة المالية حدة نتيجة لبطء النمو الاقتصادي، وارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، إلى جانب ارتفاع الديون والاحتياجات الجديدة إلى الإنفاق على الدفاع والأمن الاقتصادي والمناخ. وتتعرض البلدان منخفضة الدخل للمخاطر بصفة خاصة، رغم جهودها لتحسين أرصدتها الأولية، حيث تواجه احتمالات انخفاض تدفقات المعونة بشكل كبير. ويظل كثير من البلدان الأفقر يعاني آثارا غائرة سببتها الصدمات في السنوات الخمس الأخيرة. وقد تفضي محدودية الفرص المتاحة إلى إشعال القلاقل الاجتماعية ولا سيما بين الشباب العاطلين عن العمل.
رابعا: مصداقية المؤسسات في خطر
مع زيادة شدة القيود على المالية العامة، يواجه كثير من المؤسسات ضغوطا سياسية متزايدة. ففي حالة البنوك المركزية، نجد الضغوط لتيسير السياسة النقدية، سواء لدعم الاقتصاد على حساب استقرار الأسعار، أو لخفض تكاليف خدمة الدين، تأتي دائما بنتائج عكسية. وقد ينتج عن ذلك انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية في الأجل القصير، إلا أن معدلات التضخم والتوقعات التضخمية ترتفع في نهاية المطاف إلى مستويات تفوق المستويات المواتية. وتساعد الثقة بالبنوك المركزية على تثبيت التوقعات التضخمية – ولا سيما في خضم الصدمات، كما رأينا أثناء أزمة تكلفة المعيشة أخيرا. ومع تآكل استقلاليتها، ستتلاشى مصداقيتها التي تحققت بشق الأنفس على مدار عقود، فيصبح الاستقرار الاقتصاد الكلي والمالي عُرضة للخطر.
في حين إن مخاطر التطورات السلبية هي المهيمنة، هناك بضع تطورات مهمة يمكنها أن تجعل الآفاق مشرقة بسرعة. أولا، تسوية مسألة عدم اليقين بشأن السياسات والحد منه سيعطي دفعة هائلة ترفع الاقتصاد العالمي. ومن شأن زيادة الوضوح والاستقرار في الاتفاقات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف أن ترفع الناتج العالمي بمقدار 0,4% في المستقبل القريب جدا. والعودة إلى التعريفات الجمركية المنخفضة، التي كانت سائدة قبل يناير 2025، بناء على هذه الاتفاقات يضيف المزيد إلى احتمالات تجاوز التوقعات، بنحو 0,3%. وثانيا، فضلا على آثاره في الاستثمار، يمكن للذكاء الاصطناعي رفع الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج. وفي ظل فرضيات معتدلة، يمكن زيادة الناتج العالمي بنحو 1% في الأجل القريب بفضل الآثار المجمعة من تراجع عدم اليقين وانخفاض التعريفات الجمركية والذكاء الاصطناعي.
وإلى جانب الاستقرار على المدى القصير، يجب علينا استثمار المزيد في المستقبل. وينبغي للحكومات أن تمكن رواد الأعمال في القطاع الخاص من الابتكار والازدهار. فالإنتاجية تدعم النمو المستدام، وتقدم الذكاء الاصطناعي، إذا توافرت له آليات الحماية السليمة، يمكن أن يساعد على رفع الاحتمالات على المدى المتوسط.
وفي حين إن السياسات الصناعية القطاعية تزداد جاذبية لصناع السياسات، فسياسات دعم التعليم والبحوث العامة والبنية التحتية والحوكمة والاستقرار المالي والتنظيم الذكي الذي يوازن بين الابتكار وإدارة المخاطر تخط مسارا أفضل وأقل تكلفة. ووجود نظام متعدد الأطراف عملي وقابل للتطويع ومعزز للتعاون يمكن أن يساعدنا على مجابهة هذه التحديات.
*أستاذ كرسي إس كيه وأنجيلا تشان في الإدارة العالمية في كلية الاقتصاد وكلية هاس لإدارة الأعمال
