أسبوع مفصلي في السياسة النقدية العالمية… والأنظار تتجه إلى واشنطن
(النهار)-29/10/2025
*ميشال صليبي
تتجه أنظار المستثمرين هذا الأسبوع إلى سلسلة من قرارات السياسة النقدية التي قد تُعيد رسم خريطة الأسواق العالمية، مع اجتماعات كلٍّ من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، البنك المركزي الأوروبي، بنك اليابان وبنك كندا.
ورغم أهمية هذه الاجتماعات، يبقى التركيز الأكبر على الفيدرالي الأميركي، إذ يترقب العالم ما إذا كان البنك سيُطلق فعلياً بداية دورة خفض الفائدة بعد أطول فترة تشديد نقدي منذ عقود
البنك المركزي الأوروبي: بين ضغوط الركود والتضخم
من المتوقع أن يُبقي البنك المركزي الأوروبي على معدلات الفائدة من دون تغيير هذا الأسبوع، بعد أن أنهى العام الماضي أطول دورة رفع في تاريخه. ورغم أن التضخم في منطقة اليورو تراجع إلى ما دون 3%، فإن النمو الاقتصادي لا يزال هشّاً ومتفاوتاً بين الدول الأعضاء.
ومع ذلك، يواجه البنك معضلة مزدوجة تتمثل في بقاء التضخم الأساسي أعلى من الهدف البالغ 2%، في وقت لا تزال فيه سوق العمل متماسكة، ما يحدّ من قدرة صناع السياسة على التحرك نحو التيسير بسرعة. في هذا السياق، ستكون تصريحات كريستين لاغارد محورية، إذ من المرجح أن تؤكد نهج التوقف الموقت في السياسة النقدية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام احتمال خفض الفائدة في الربع الثاني من عام 2026 إذا واصل التضخم مساره الهبوطي بثبات.
بنك اليابان: استمرار السياسة شديدة التيسير
من المتوقع أن يواصل بنك اليابان اتباع سياسته النقدية الفائقة التيسير، مع إبقاء سعر الفائدة قرب الصفر أو في المنطقة السلبية. ويأتي ذلك في وقتٍ تسعى فيه السلطات إلى الموازنة بين دعم النمو الاقتصادي ومنع المزيد من تدهور قيمة الين.
ورغم أن معدل التضخم العام ارتفع إلى 2.9% في أيلول/ سبتمبر، وهو الأعلى منذ مايو، فإن البنك لا يزال يرى أن الضغوط السعرية موقتة وليست ناتجة من نمو قوي في الطلب المحلي، بل بسبب ارتفاع تكاليف الواردات والطاقة وضعف العملة.
بنك كندا: بين تباطؤ التضخم وضعف النمو
يتجه بنك كندا إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد بعد تباطؤ واضح في التضخم وانكماش ملموس في قطاع الإسكان، أحد أكثر القطاعات تأثراً بدورات التشديد السابقة.
ويأتي هذا القرار في ظل تزايد المؤشرات إلى ضعف الاستهلاك المحلي وتراجع الطلب على القروض، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى مستوى في عامين، ما يعكس فتوراً في النشاط الاقتصادي العام. ومع ذلك، من المتوقع أن يُرفق البنك قراره بنبرة حذرة ومتوازنة، بخاصة أن التضخم الأساسي لا يزال فوق المستوى المستهدف.
الاحتياطي الفيدرالي الأميركي : الحدث الأبرز
الحدث الأبرز بلا منازع هذا الأسبوع سيكون اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يومي 28 و29 تشرين الأول/أكتوبر، وسط توقعات شبه مؤكدة بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، لتصبح ضمن نطاق 3.75%–4.00%.
يأتي هذا القرار المحتمل في وقتٍ دقيق يشهد فيه الاقتصاد الأميركي تباطؤاً تدريجياً في التضخم مع بقاء مؤشرات النمو مرنة، ما يمنح الفيدرالي مساحة لبدء دورة خفض محسوبة دون الإخلال باستقرار الأسعار.
تستند الخطوة إلى بيانات متباينة تُظهر تباطؤاً في التضخم وتحسناً معتدلاً في النشاط الاقتصادي، مقابل بقاء سوق العمل متماسكة رغم بعض علامات التباطؤ. وفي خطابه الأخير، أشار جيروم باول إلى أن استمرار التشديد النقدي قد يشكل خطراً على الاقتصاد، في إشارة إلى تحوّل واضح في نبرته نحو مزيد من المرونة مقارنة بمواقفه السابقة.
السيناريوات المحتملة للأسواق:
السيناريو الأول: خفض الفائدة بنبرة تيسيرية واضحة:
يُقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة ويؤكد استمرار دورة التيسير النقدي خلال الأشهر المقبلة، مع لهجة مرنة من جيروم باول تُبرز استعداد البنك للتحرك مجدداً إذا استدعت الظروف دعم النمو الاقتصادي.
ينعكس هذا القرار إيجاباً على مختلف فئات الأصول: فالذهب يستفيد من انخفاض العائد الحقيقي وتراجع الدولار، فيما تميل الأسهم الأميركية إلى الارتفاع مدفوعة بتراجع تكاليف التمويل وتحسّن شهية المخاطرة، خصوصاً في القطاعات الحساسة للفائدة. في المقابل، يتعرض الدولار الأميركي لضغوط بيعية، بينما تتراجع عوائد السندات على الآجال القصيرة والمتوسطة، ما يعكس توقعات بمزيد من الخفض مستقبلاً.
السيناريو الثاني: خفض الفائدة بنبرة حذرة:
يُقدم الفيدرالي على خفض الفائدة فعلاً، لكنه يربط القرار بتأكيد باول أن الخطوة لا تمثل بالضرورة بداية دورة خفض طويلة، موضحاً أن أي تحرك لاحق سيعتمد على تطورات البيانات الاقتصادية المقبلة.
تكون النتيجة أكثر توازناً؛ إذ يتحرك الذهب في نطاق مستقر من دون اتجاه واضح، متأثراً بتراجع محدود للدولار يقابله غياب إشارات قوية إلى استمرار التيسير. أما الأسهم الأميركية، فتميل إلى الارتفاع ولكن بوتيرة أبطأ، مع احتمالات لجني أرباح موقتة بعد المكاسب الأخيرة. الدولار يبقى مستقراً نسبياً، فيما تستقر عوائد السندات مع ميل طفيف إلى الانخفاض في الآجال القصيرة.
تظهر معطيات هذا الأسبوع أن العالم المالي يقف أمام تحول تدريجي في المزاج النقدي العالمي. فبعد عامين من التشديد الصارم، بدأت نغمة البنوك المركزية تتغير، لتمنح الأسواق إشارة إلى أن مرحلة السياسة المقيدة تقترب من نهايتها. غير أن هذا التحول لا يعني بالضرورة عودة سريعة إلى التيسير، بل مرحلة انتقالية دقيقة تُختبر فيها قدرة الاقتصاد على التكيّف مع مستويات فائدة مرتفعة نسبياً دون انزلاق نحو الركود.
وفي هذا السياق، سيبقى الفيدرالي الأميركي المحرك الرئيسي لاتجاهات الأسواق، إذ إن أي تغيير في لهجة باول أو في مسار الفائدة الأميركية سيحدد شكل حركة رؤوس الأموال، وقوة الدولار ومسار الذهب والأسهم خلال الأشهر المقبلة.
(*) كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا.
