احتواء الكوارث لتخفيف أعباء الديون
(العربية)-27/10/2025
*كريستالينا جورجييفا
خلال اجتماعاتنا الواحد تلو الآخر أخيرا، قدمت مشورتي لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بألا يقتصر تركيزهم على التخفيف من المخاطر في الأجل القريب، بل النظر كذلك فيما هو أبعد من ذلك – أي المحافظة على المؤسسات المستقلة والفعالة والخاضعة للمساءلة، وإيجاد ورصد وتوفير الفرصة التي يجلبها التغيير دائما.
وهنا، تتمثل أمامنا 3 أهداف متوسطة الأجل، هي:
أولا، إصلاح ماليات الحكومات. وهذا أمر ضروري حتى يمكنها أن توفر الهامش الوقائي ضد الصدمات الجديدة وتلبية الاحتياجات الملحة بدون رفع أسعار الفائدة على قروض القطاع الخاص. إذ ينبغي لأي وزير مالية ألا يكتفي بالانتظار حتى يأتي نمو أسرع وينقذ الموقف. ثانيا، إعادة التوازن الداخلي والخارجي. وهذا أمر ضروري لضمان عدم ظهور الاختلالات الاقتصادية الكلية المفرطة كمؤثرات سلبية. ونحن بحاجة إلى الضبط المالي في بعض الأماكن، واعتماد سياسات لرفع الطلب المحلي في أماكن أخرى. ثالثا، رفع النمو الاتجاهي. وهذا أمر ضروري حتى تتمكن الاقتصادات من خلق مزيد من الوظائف، وزيادة الإيرادات العامة، وتحسين استدامة القدرة على تحمل الدين العام والخاص.
ويقتضي رفع النمو 3 أمور، هي: أولا، اعتماد منهج للتطهير التنظيمي لإطلاق العنان للمشاريع الخاصة؛ وثانيا، تعميق التكامل الإقليمي؛ وثالثا، الاستعداد لجني مكاسب الذكاء الاصطناعي.
وهناك ارتباط وثيق متبادل بين التطهير التنظيمي والتكامل الإقليمي، لأسباب منها أن كثيرا من القواعد والتنظيمات التي تكبِّل المشاريع الخاصة في الداخل تتسبب أيضا في تقييد حركة السلع والخدمات والأفراد ورأس المال والأفكار عبر الحدود – فكثير من القواعد التنظيمية تعمل أيضا كحواجز غير جمركية، والحواجز غير الجمركية هي عامل رئيسي في انعدام تكافؤ الفرص عالميا.
ويسعى كثير من البلدان لاكتساب قوة أكبر وإيجاد صوت يعبر عنها من خلال التماسك. وهنا نرى مجموعة مختارة من التكتلات التجارية في العالم، يتمتع كل منها بحجم وثقل أكبر من بلدانها الأعضاء منفردة فبما ننصح تكتلات العالم التجارية؟ خفضوا من احتكاكاتكم الداخلية وامضوا قدما نحو التكامل من أجل تحقيق القدرة على الصمود والنمو.
وأخيرا، فإن المعجِّل الآخر لنمو الإنتاجية العالمية هو الذكاء الاصطناعي. ونحن في صندوق النقد الدولي، نتوقع مكاسب حقيقية، ولكن تقديراتنا واسعة النطاق – تشير إلى ارتفاع نمو الإنتاجية العالمية بنسبة تراوح بين 0,1 و0,8 نقطة مئوية سنويا.
وسيلغي الذكاء الاصطناعي أيضا ملايين من الوظائف الحالية، وعلى صناع السياسات المساعدة في التخفيف من وطأة هذه المرحلة الانتقالية. وستتلاشى مهن قديمة. وستنشأ أخرى جديدة، مثل المتخصصين في البيانات الضخمة، ومهندسي التكنولوجيا المالية، والمتخصصين في تعلُّم الآلة، وغيرها. ومثل هذه التغيرات ليست بالأمر غير الشائع. فلنتذكر كيف حلت السيارة محل الحصان والعربة.
والعامل الأساسي في تعظيم مكاسب الإنتاجية من الذكاء الاصطناعي ومعالجة تداعياته هو التأهب. وتخلص أبحاثنا إلى أن سنغافورة والولايات المتحدة والدنمارك تتصدر المشهد، بينما بلدان كثيرة متأخرة عن اللحاق بالركب. والصندوق، بصفته قناة نقل لأفضل الممارسات، سيقدم المساعدة لكل البلدان الأعضاء، مع التركيز على إدارة الانعكاسات على الاقتصاد الكلي.
أما عملنا في مجال تنمية القدرات فيشمل تقديم المشورة العملية، حيث تم إنجاز نحو ثلاثة آلاف مشروع في العام الماضي؛ والتدريب، حيث تم عقد أكثر من 500 دورة تدريبية تخدم أكثر من 19 ألفا من المسؤولين على مدار الفترة ذاتها؛ فضلا عن عقد الاجتماعات، وهو ما تضمن في شهر فبراير الماضي عقد أول مؤتمر على الإطلاق عن اقتصادات الأسواق الصاعدة في مدينة العُلا في السعودية.
ومن حيث نشاطنا الإقراضي، الذي يرتكز على التصحيح الاقتصادي الكلي وشرطية الصندوق، فيشمل حاليا برامج اقتصادية مع 43 بلدا عضوا، مع الموافقة على مبلغ قدره 37 مليار دولار منذ شهر أكتوبر الماضي، منه مبلغ قدره خمسة مليارات دولار تم تخصيصها لتسعة بلدان منخفضة الدخل.
وفي عالم يسوده عدم اليقين، من الضروري أن تكون لدى الصندوق موارد كافية. وفي هذا الصدد، اسمحوا لي اليوم أن أكرر طلب أمرَين من بلداننا الأعضاء:
أولا: قاعدة حصص العضوية. فنحن نواصل الضغط للوصول إلى نهاية المطاف في سعينا من أجل زيادة حصص العضوية بنسبة 50% حسب الاتفاق الذي تم في العام الماضي. وأناشد كل بلداننا الأعضاء التي لم تصادق بعد على هذه الزيادة بأن تبادر بذلك على وجه السرعة.
ثانيا: فيما يخص صندوقنا الاستئماني للنمو والحد من الفقر، الذي يمثل أداتنا الأساسية للتمويل الميسر للبلدان منخفضة الدخل، نمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في العام الماضي لوضع هذا الصندوق الاستئماني على مسار من الاستدامة الذاتية، وهو ما يتضمن، أولا، توزيع مبلغ يصل إلى 9,4 مليار دولار في حساب مؤقت، على مدار خمس سنوات، وثالثا، الوصول إلى نقطة يكون قد تم فيها التعهد بتقديم 90% على الأقل من المبلغ الأصلي في هذا الحساب للصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر. وهناك 20 بلدا حتى الآن، آخرها الهند، ويوم أمس فقط الصين، قدمت ضمانات بلغ مجموعها 43%. لكن الدعم الأوسع نطاقا من البلدان الأعضاء لا يزال ضروريا لبلوغ النسبة البالغة 90%.
وأخيرا، هناك أمر آخر أود أن ألفت انتباهكم إليه، وهو الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، وهو أداتنا لتقديم المنح لمساعدة بلداننا الأعضاء منخفضة الدخل على سداد خدمة ديونها المستحقة لنا في حالة تعرضها لكوارث طبيعية أو كوارث الصحة العامة. فقد نضبت عن حق موارد هذا الصندوق أثناء الجائحة.
ونطمح أن يظل قادرا على مساعدة أفقر بلداننا الأعضاء لدى مواجهة أوضاع خارج حدود سيطرتها. والمبالغ المطلوبة هنا هي بالملايين، وليس المليارات، وسيكون لها أثر هائل. والآن، فإنني أطلب منكم لدى عودتكم إلى عواصم بلدانكم أن تتكرموا بفتح باب النقاش حول تجديد موارد الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، من أجل تحقيق الصالح العام.
