استدامة اقتصادنا في رأس مالنا الطبيعي
(المستقبل)-03/09/2024
*مازن عبّود
من غير السهل التغاضي عن رأس المال الطبيعي لأنه البركة التي نسبح فيها. يمكن للمرء أن يعيش حياة جيدة دون التفكير مطلقًا في دورة الكبريت أو وظائف الأراضي الرطبة. فقط عندما تتعطل الفوائد التي توفرها الطبيعة، فإننا ننتبه الى كل ذلك.
بول هوكن
ما يواجهنا في هذا البلد يفرض علينا تطوير أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية تضمن النمو الاقتصادي وتحقق مستويات مستدامة من الاستهلاك في اطر ضمان استدامة أنظمة الحياة التي هي اساس رفاهيتنا حاضرا ومستقبلا. فثمة ترابط بين نظمنا وثرواتنا الطبيعية واقتصادياتنا، وهذا اضحى من أسس الفكر الاقتصادي الحالي.
البنك الدولي قدّر كلفة التدهور اليوم زهاء المليار دولار وليي 887 دولار سنويًا أي 3.4 % من الناتج المحلي الإجمالي حينها. وتشمل تكاليف تلوث الهواء والماء، وإزالة الغابات، وإدارة النفايات، وتدهور الأراضي. بالارتكاز على هذا، يبلغ صافي القيمة الفعلية للتدهور اليوم 887 مليون دولار (معدل التضخم بالدولار 3% سنويا). فتكون حصة التدهور من الناتج المحلي زهاء 5%.
رأس مالنا الطبيعي، من تربة وهواء وماء وكائنات حية وما يلزم من موارد وخدمات النظام البيئي التي توفرها الطبيعة، ضرورة لبقائنا وتأمين استدامة انشطتنا الاقتصادية (Guerry, et al., 2015). تداعى رأس مالنا الطبيعي في ظل انهيار السلطة المركزية على أثر كوفيد والثورة والانهيار الاقتصادي يتطلب إعادة النظر في قواعد اللعبة. التحدي الأكبر الذي يواجه البلديات تراكم النفايات وسوء معالجتها، مما يؤدي الى تسمم التربة والهواء والماء وينتج تراجعا في إنتاجية الأراضي وازدياد في الاكلاف الصحية وانخفاض في قدرة البلد على جذب السيّاح. وهذا ما يتوجب دراسته بتمعن. ضغط الكسارات والمقالع يعود الى الواجهة مع بدء توازن الأسواق والشلل في الرقابة وانفاذ القوانين. اما قطع الغابات فحدث ولا حرج، في ظلّ تراجع قدرة الناس الشرائية. الحرب في الجنوب تدمر الأراضي الزراعية. وما يتم اختباره من أسلحة عندنا يتوجب دراسة مفاعيله وتأثيراته ايضا. وكل ذلك يدفعنا الى التفتيش عن حلول بنيوية. ثمة ضغوط كبيرة على رأس المال الطبيعي لبلدنا الذي يتميّز بطبيعته ومناخه. لانخفاض قيمة النظم البيئية في لبنان ووظائفها على البلد تداعيات لا يمكن تحملها ويتوجب احتسابها.
التكاليف والفوائد البيئية للأنشطة الاقتصادية تكلم عنها بداية بولدينغ ودالي. قدّر كوستانزا(1997) قيمة خدمات النظام الطبيعي العالمي بمتوسط 33 تريليون دولار في 1997، ( أكبر من الاقتصاد العالمي حينها). قيمته اليوم تتخطى 125 تريليون دولار سنويًا في 2023 وذلك بعيد اعتماد تقنيات جديدة في التقييم لفهم أفضل لحجم ونطاق خدمات النظام البيئي. والازمة باننا نحاول تقييم ما لا يمكن تقييمه ماليا. فثمة عناصر لها قيمة وجودية تفوق سعر السوق الذي يحدده العرض والطلب. فليس كل شيء في الحياة للبيع والشراء.
أوافق (Mueller,1986) الذي اعتبر بانّ “الإنسان بطبيعته أناني وعقلاني، مما يعظم المنفعة”. لكني لا اعلم الى أي مدى تتوافق عقلانيته هذه مع استدامة ودعم الحياة التي هي فوق العقلي. ما يهم هو ان يبدأ البشري باكتشاف أهمية إعادة الاقتصاد الى حدود أنظمة الحياة. فيستفيق البشر وينشدون مع مايكل جاكسون اغنية الارض: ” هل توقفت يوما لتلاحظ هذه الأرض الباكية، وهذه الشواطئ الباكية؟ كنت أحلم، كنت أنظر إلى ما وراء النجوم. الآن لا أعرف أين نحن. على الرغم من أنني أعلم أننا انجرفنا”.