الإجماع على قوة الدولار إفراط في الثقة
(اخبار الخليج)-21/01/2025
*دونكان ويلدون
كان هناك خيط مشترك يجمع بين توقعات عام 2025 من البنوك ومديري الأصول، وهو وجود شبه إجماع على أن الدولار سيواصل تعزيز قوته في الأشهر الـ12 المقبلة. ومثل الكثير من البنود في أجندة ترامب، كانت الأحاديث عن قيمة الدولار متناقضة في بعض الأحيان.
دونالد ترامب نفسه، والعديد من مستشاريه التجاريين، يجادلون منذ فترة طويلة في أن قوة الدولار تضر بالصناعة الأمريكية، لأنها تجعل الصادرات الأمريكية مرتفعة الثمن، وتشجع الواردات، ما يؤدي إلى فقدان وظائف في القطاع الصناعي. بالرغم من ذلك، يتبنى بعض المسؤولين الرئيسيين موقفاً مغايراً، مثل سكوت بيسنت، المرشح لمنصب وزير الخزانة، الذي يؤيد علناً سياسة تقليدية تدعم قوة الدولار. وبغض النظر عما قد ترغب فيه الإدارة الجديدة، يبدو أن الأسواق واثقة إلى حد معقول من أن النتيجة ستكون دولاراً أقوى وليس أضعف.
وقد ارتفع سعر العملة الأمريكية بنسبة 8 % منذ نهاية سبتمبر الماضي، حينما بدأ المستثمرون يضعون في حساباتهم الاحتمالات المتزايدة لفوز ترامب في انتخابات نوفمبر الماضية.
وقد مثل الدولار القوي ركناً أساسياً فيما بات يعرف في الأوساط المالية باسم «تجارة ترامب»، التي هيمنت على تداولات وول ستريت (Wall Street) في العام المنصرم. وتقوم هذه «الصفقة» على قناعة المستثمرين بأن الرئيس الجديد سيمضي قدماً في تنفيذ الجوانب التي تلقى استحسان الأسواق من برنامجه السياسي، في حين سيعمل الحزب الجمهوري على كبح أي توجهات لا تحظى بتأييد الأوساط المالية.
يرى المحللون الماليون أن خطة ترامب لخفض الضرائب وتقليص القيود على الشركات ستؤدي إلى زيادة أرباح الشركات وارتفاع أسعار الأسهم في البورصات الأمريكية. وبالرغم من أن هذه السياسات ستزيد عجز الميزانية، إلا إن تأثيرها على سندات الخزانة الأمريكية سيكون محدوداً وليس خطيراً.
وتتوقع الأسواق المالية ارتفاعاً في عائد السندات الحكومية الأمريكية أعلى مما كان متوقعاً قبل فوز ترامب، لكن هذا الارتفاع لن يكون كبيراً بدرجة تهدد استقرار سوق الأسهم. وحسب نظرية «تجارة ترامب»، فإن الفارق المتزايد بين أسعار الفائدة الأمريكية وأسعار الفائدة في الدول المتقدمة الأخرى سيكون كافياً لرفع قيمة الدولار.
كما أن تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية أعلى، سيؤدي إلى تقليل تدفق الدولار للخارج، ما زاد جاذبية العملة الأمريكية منذ نوفمبر الماضي.
ويسود اعتقاد في الأوساط المالية بأن الدولار سيحافظ على قوته، حتى مع استمرار الرئيس الجديد في التعبير عن استيائه من ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن المتخصصين يرصدون ثلاثة مخاطر رئيسة قد تجعل هذا الاعتقاد السائد محل نظر.
يأتي في مقدمة هذه المخاطر موضوع الرسوم الجمركية، فبالرغم من أن النظريات الاقتصادية تؤكد أن فرض رسوم جمركية جديدة يمكن أن يؤدي إلى تقوية العملة في المدى القصير، فغالباً ما تميل عملة الشريك التجاري الذي يخضع لقيود جديدة للانخفاض لتعويض قيمة الرسوم الجمركية، على الأقل جزئياً – وهذا ما حدث بشكل عام مع العملة الصينية (اليوان) في عامي 2018 و2019 – حيث ترتبط الرسوم الجمركية بانخفاض الواردات والصادرات واقتصاد أضعف بشكل عام. هذا الضعف يؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعار الفائدة وبالنتيجة عملة أضعف.
وقد تعطي الرسوم الجمركية الدولار دفعة قصيرة الأجل إلا إنها تضعفه على المدى المتوسط إلى الطويل.
كما يبرز عامل ثانٍ يثير القلق، وهو ضرورة التعامل بجدية مع تصريحات الرئيس ترامب حول رغبته في خفض قيمة الدولار. فقد تكون تهديداته بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة مجرد خطوة افتتاحية في خطة أكبر، تهدف لإجبار هؤلاء الشركاء على الدخول في شكل من أشكال اتفاقية متعددة الأطراف لخفض قيمة الدولار.
ومن المتوقع أن يسعى ترامب، مؤلف كتاب «فن الصفقة»، لاستضافة قمة في منتجعه «مار-إيه-لاجو» للإشراف على هذه المفاوضات.
إلا إن تحقيق اتفاق كهذا سيواجه تحديات كبيرة.
فبالرغم من أن البعض يشير إلى «اتفاقية بلازا» عام 1985 – حين اجتمع وزراء مالية الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا واليابان لتنسيق سياسات أسعار الصرف – كنموذج يمكن تكراره، إلا إن خريطة الاقتصاد العالمي تغيرت جذرياً.
فقد مثلت هذه الدول الخمس آنذاك نحو 45 % من الاقتصاد العالمي (بحساب تعادل القوة الشرائية)، بينما لا تتجاوز حصتها اليوم 25 %.
يكمن التهديد الثالث والأخطر لقيمة الدولار في عامل يتجاوز حدود السياسة الاقتصادية التقليدية.
فقد كشفت دراسة مهمة أجراها فريق من الاقتصاديين البارزين – باري إيشنغرين وأرنو ميل وليفيا شيتو – عام 2017، عن العلاقة الوثيقة بين العوامل الجيوسياسية وقيم العملات العالمية، فالدول تميل إلى الاحتفاظ بجزء أكبر من احتياطياتها النقدية بعملة الدول التي تقدم لها مظلة أمنية.
وهذا يعني أن المظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة لحلفائها تساهم في دعم قيمة الدولار وتخفيض تكاليف الاقتراض الأمريكي عن مستوياتها الطبيعية.
لذا، فإن أي تراجع في هذه الضمانات الأمنية قد يؤدي إلى انخفاض حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية، ما يشكل ضغطاً إضافياً على العملة الأمريكية.
وبالرغم من الارتفاع القوي الذي شهده الدولار منذ سبتمبر الماضي، إلا إن كثيراً من التوقعات التي دعمت هذا الصعود ربما تتحول إلى مجرد أمنيات.