البيتكوين في عام 2025: عام التقلبات القياسية بين قمم تاريخية وتصحيحات حادّة
(النهار)-26/12/2025
*جاد حريري
شهد عام 2025 واحدة من أكثر الفترات تقلباً في تاريخ البيتكوين، إذ تنقّل السعر بين موجات صعودية قوية وأخرى هبوطية حادة، متأثراً بتطورات اقتصادية وتشريعية عززت حالة عدم اليقين لدى المستثمرين. فقد بدأ العام بوتيرة هادئة نسبياً مقارنة بما حدث لاحقاً، قبل أن يتحول إلى مضمار سريع تتحرك فيه الأسعار ضمن نطاقات واسعة وغير مسبوقة.
بداية العام: تذبذب واسع وانتظار الاتجاه
في الأشهر الأولى من 2025، بقي البيتكوين ضمن نطاق متقلب يراوح بين 78,000 و95,000 دولار تقريباً. ورغم أن هذه الفترة لم تحمل اتجاهاً واضحاً، فإنها شكّلت قاعدة انطلاق لمسار صعودي قوي بدأ يتشكل تدريجياً مع دخول سيولة مؤسسية جديدة إلى السوق.
منتصف العام: صعود قوي ودعم مؤسسي
خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/يونيو، اكتسبت العملة الرقمية الزخم الحقيقي، لترتفع نحو مستويات 110,000–112,000 دولار. هذا الارتفاع لم يأتِ من فراغ، بل كان انعكاساً مباشراً لدخول المستثمرين المؤسسيين بعد إطلاق صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETFs)، التي ساهمت في تعزيز الثقة ورفع حجم الطلب في النصف الأول من العام.
واعتبر كثيرون أن هذه المرحلة تمثل واحدة من أهم موجات الصعود التي شهدها البيتكوين منذ 2021، نظراً إلى أن مصدرها كان طلباً مؤسسياً أكثر منه مضاربات قصيرة الأمد.
أكتوبر 2025: ذروة تاريخية جديدة
بلغ البيتكوين ذروة أدائه خلال تشرين الأول/أكتوبر، عندما سجّل مستويات قياسية تراوحت بين 125,000 و126,000 دولار. هذه القمة لفتت الأنظار العالمية وأعادت النقاشات حول مستقبل العملات الرقمية، وما إذا كانت العملة الأولى تتجه نحو دورة صعود ممتدة.
نهاية العام: تصحيح قاسٍ يضغط على المستثمرين
لكن هذه الذروة لم تدم طويلاً. فمع بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، دخلت السوق في مرحلة تصحيح عنيف أدت إلى تراجع الأسعار بنحو 25–30%، لتستقر بين 85,000 و90,000 دولار مع نهاية العام.
هذا الهبوط أثّر بشكل أكبر على المستثمرين الصغار، خصوصاً أولئك الذين استخدموا رافعة مالية أو سيولة مرهونة، إذ أدى انخفاض الأسعار إلى موجات بيع قسرية رفعت حجم الضغوط السلبية في السوق.
العوامل المؤثرة في أداء البيتكوين خلال 2025
1- صناديق ETFs: محرك الصعود الأبرز
كان إدخال صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة نقطة تحول خلال العام، إذ ضخت مؤسسات مالية كبرى سيولة جديدة وأعطت شرعية أكبر للعملة في الأسواق التقليدية. وقد كان تأثيرها واضحاً، خصوصاً في النصف الأول من 2025 الذي شهد ارتفاعات قوية وسريعة.
2- التشريعات الأميركية: غموض يقلّص الإقبال
في الجانب المقابل، أثّر تأجيل التشريعات أو غموضها في الولايات المتحدة على ثقة المستثمرين. فكلما تأخر وضوح الموقف التنظيمي، ارتفعت مستويات القلق، ما انعكس مباشرة في زيادة التقلبات خلال النصف الثاني من العام.
3- تقلّب معنويات السوق
تبدّلت معنويات المستثمرين بشكل واضح خلال العام:
في مرحلة الصعود ارتفع مؤشر الخوف والطمع نحو مستويات الطمع المتقدمة بفعل ارتفاع الأسعار وزيادة التدفقات.
مع اقتراب نهاية العام تراجع المؤشر نحو مستويات الخوف، مع زيادة المخاوف من مزيد من الانخفاضات، بخاصة بعد التصحيح الحاد.
عام 2025 كان عاما استثنائيا للبيتكوين، جمع بين قمم تاريخية وتراجعات مؤلمة. ورغم التقلبات، أثبتت العملة أنها ما زالت قادرة على جذب المؤسسات والمستثمرين الأفراد، وأن مستقبلها سيظل مرتبطاً بعوامل تنظيمية وسيولية ومعنوية تتحكم في مساراتها بشكل مباشر.
ويبقى السؤال المفتوح مع نهاية العام: هل كانت هذه التصحيحات مقدمة لصعود جديد؟ أم بداية دورة هبوط أطول؟ الإجابة ستتضح مع دخول 2026 وما يحمله من تغيّرات في عالم العملات الرقمية.
**جاد حريري، استراتيجي الأسواق المالية
