الدين العالمي وتضخيم مدفوعات الفائدة
(العربية)-14/10/2025
*كريستالينا جورجييفا
من الواقع الداعي إلى الانتباه بشأن الدين العام العالمي الذي يُتوقع أن يتجاوز 100% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2029، تقوده في ذلك الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة.
إن تزايد الدين من شأنه تضخيم مدفوعات الفائدة، وفرض ضغوط رافعة لتكاليف الاقتراض، ووضع قيود على بنود الإنفاق الأخرى، والحد من قدرة الحكومات على توفير هوامش أمان ضد الصدمات.
ومن ضحاياه المساعدات الإنمائية التي تقدمها الاقتصادات المتقدمة لبلدان العالم الأشد احتياجا، التي تواصل التراجع على نحو مؤسف. وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل المتلقية للمساعدات، يعني هذا زيادة الاعتماد على النفس -بما في ذلك وضع حد أدنى مستهدف لنسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي قدره 15%.
ويمثل ضبط أوضاع المالية العامة عاملا ضروريا في البلدان الغنية والفقيرة على السواء.
ولكن هذا الضبط ينطوي على صعوبة –كما يتضح من عديد من نوبات القلاقل الاجتماعية في الآونة الأخيرة. ولكن إذا ما تم التخطيط له والتواصل الجماهيري بشأنه وتنفيذه على نحو جيد، فمن الممكن تحقيق خفض كبير في العجز -ولا سيما إذا كان مدعوما بنمو أعلى على المدى المتوسط.
وبذلك، اسمحوا لي أن أنتقل الآن إلى المهمة الثالثة، أي الحد من تكرار اختلالات الحسابات الجارية.
فكما رأينا، يمكن لهذه الاختلالات أن تحفز ردود أفعال حمائية، وأن تؤدي إلى إذكاء المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي–لأنها تنعكس على صافي تدفقات رأس المال. ونحن في الصندوق نعمل بلا كلل لتنقيح تقييماتنا للقطاع الخارجي، وسنواصل حث الأطراف الفاعلة الرئيسية على اتخاذ إجراءات تصحيحية على مستوى السياسات.
بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يسجل الاستهلاك الخاص وعجز المالية العامة مستويات مرتفعة ويبلغ عجز الحساب الجاري مستويات لم نشاهدها منذ أوائل الألفينات، فسنحث على التحرك في اتجاهين أساسيين:
- أولا: اتخاذ خطوات لمعالجة عجز الحكومة الفيدرالية، علما بأن نسبة العجز الفيدرالي إلى إجمالي الناتج المحلي في طريقها لتجاوز أعلى مستوياتها على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. ونحن بحاجة إلى العمل المتواصل الذي يتخطى حدود الإنفاق الاستنسابي.
- ثانيا: اتخاذ خطوات لتحفيز ادخار قطاع الأسر، حيثما يمكن النظر، على سبيل المثال، في التوسع في الخطط القائمة التي تتيح معاملة ضريبية تفضيلية لمدخرات التقاعد، وغير ذلك من التعديلات الممكنة في السياسة الضريبية.
وبالنسبة للصين، حيث مدخرات القطاع الخاص مرتفعة على نحو مزمن والطلب المحلي مكبوح، بسبب فترة التكيف المطولة في القطاع العقاري والضغوط الانكماشية، نحث على فترة انتقالية من التوسع المالي وتعديل عناصر المالية العامة.
فالصين بحاجة إلى حزمة من التدابير المالية والهيكلية لإعطاء دفعة للاستهلاك الخاص، والانتقال إلى نموذج جديد للنمو، لإنعاش اقتصادها-ما سيساعد أيضا على التصدي للانخفاض الأخير في سعر الصرف الحقيقي لعملتها، والذي يقف في طريق إعادة التوازن.
ومن بين البنود الأخرى، ينبغي أن تتضمن حزمة التدابير الصينية زيادة في الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي وتنقية القطاع العقاري، مع الإنفاق بقدر أقل كثيرا على السياسة الصناعية -حيث تقدر دراسة جديدة صادرة عن صندوق النقد الدولي أن التكاليف تبلغ مستوى مرتفعا للغاية قدره 4,4% من إجمالي الناتج المحلي سنويا.
أما بالنسبة لألمانيا، فإن تَحَوُّلها الهيكلي أخيرا إلى سياسة مالية أكثر توسعا –وهو ما يُنتظر أن يسهم في خفض فائض الحساب الجاري– يبرهن على أن التصحيحات قابلة للتحقيق فعلا. أما الإنفاق العام على البنية التحتية، من خلال تحسين حوافز الاستثمار الخاص في الداخل، فسينطوي على منافع كبيرة في ظل سعي ألمانيا لضخ ديناميكية جديدة في القطاع الخاص.
وهنا أعود للحديث عن تطلعات الشباب. إن شعوري بالمسؤولية العميقة هو ما يحرك قيادتي لمؤسسة يتمثل أحد واجباتها الأساسية في التأثير على السياسات بصورة تعظِّم الفرصة الاقتصادية للجميع.
إننا إذا وحدنا الصفوف في هذا العالم المتشابك الذي يسوده عدم اليقين، فسنتمكن من الوصول إلى سياسات تمثل ركيزة لأسواق حرة مدعومة بقواعد تنظيمية ذكية، ومؤسسات قوية، وبيانات موثوقة وشبكات أمان متينة -سياسات لديها القدرة على تحقيق قدر أكبر من الصلابة وتسريع وتيرة النمو.