الذكاء الاصطناعي+: من التجربة الصينية إلى المستقبل المشترك مع العالم العربي
(العربية)-23/09/2025
*تيان جيانينغ
يشهد العالم اليوم تسارعا في التحولات التي يقودها الذكاء الاصطناعي. بالنسبة للعديد من الدول، ما زالت هذه التحولات تلوح في الأفق، أما في الصين فقد دخلت بالفعل مرحلة التطبيق الواسع. فقد أصدرت الصين مؤخرا وثيقة “الآراء حول تعميق تنفيذ خطة عمل الذكاء الاصطناعي بلس”، والتي تهدف إلى دمج الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات تقريبا: التصنيع، الطاقة، الخدمات، الزراعة، الصحة، والتمويل. هذا التوجه لا يعكس طموح الصين وحدها، بل يقدم أيضا نموذجا يمكن أن تستفيد منه الدول العربية التي تسعى لتحقيق تنمية متوازنة ومتنوعة.
بالمقارنة مع الولايات المتحدة وأوروبا، لم يقتصر مسار الذكاء الاصطناعي في الصين على مختبرات شركات التكنولوجيا العملاقة، بل اتخذ منحى أكثر تركيزا على التطبيقات العملية. ففي خطوط الإنتاج الصناعية يُستخدم الذكاء الاصطناعي لرفع الكفاءة، وفي الحقول الزراعية تسمح البيوت الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي بزيادة الإنتاج مع توفير المياه، وفي المستشفيات تُسهم أدوات التشخيص الذكية في تقليص الضغط على الأطباء. هذا النهج يوضح أن الصين لا تسعى وراء “عرض تقني مبهر”، بل تهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي قوة إنتاجية ملموسة تخدم المجتمع بأسره.
ولهذا فإن التجربة الصينية تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للدول العربية، فالعديد من دول المنطقة، مثل السعودية والإمارات، تعمل على تنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على النفط، وتضع الذكاء الاصطناعي في قلب خططها التنموية، مثل “رؤية السعودية 2030”. والتجارب القائمة بالفعل تثبت جدوى التعاون الصيني العربي في هذا المجال:
إذ قامت شركة صينية من نينغشيا بإدخال تقنية البيوت الزراعية الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى السعودية، مما ساعد على زيادة الإنتاج الزراعي في بيئة شديدة الحرارة والجفاف؛ كما استُخدمت حلول الشركات الصينية في مشاريع المدن الذكية مثل “نيوم” في السعودية ومدينة الطاقة النظيفة في الإمارات، لإدارة الطاقة والنقل؛ وأنشأ المركز الصيني-العربي لنقل التكنولوجيا مختبرات للذكاء الاصطناعي أسهمت في تدريب آلاف الكفاءات المحلية. وهذا ما يبرهن على أن سياسة “الذكاء الاصطناعي+” في الصين ليست مجرد استراتيجية وطنية، بل باتت تمتد عبر التعاون إلى مناطق أوسع.
أما في التمويل والاستثمار، فقد زادت صناديق الثروة السيادية في الخليج استثماراتها في الشركات الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما تعمل شركات صينية على إنشاء مصانع ومراكز أبحاث في المنطقة لتحقيق “التصنيع المحلي + التطبيقات المحلية”. يتضح إذن أن التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد شعارات، بل أصبح شبكة مترابطة تشمل رأس المال والتقنية والبحث العلمي والتطبيقات.
وفي الإطار الأوسع، ترسم مبادرة “الذكاء الاصطناعي+” الصينية والاحتياجات الاستراتيجية للدول العربية مسارًا جديدًا للتنمية. لا يُمكّن الذكاء الاصطناعي دعم التحول الاقتصادي فحسب، بل يُحسّن أيضًا سُبل عيش الناس بشكل مباشر: معالجة تحديات الأمن الغذائي في الزراعة، وتخفيف الضغط على الموارد العامة في مجال الرعاية الصحية، وتسهيل التحول إلى الطاقة الخضراء. لا تقتصر هذه الإنجازات على الصين أو المملكة العربية السعودية فحسب، بل تشمل دول الجنوب العالمي بأكملها.
وقد شدد القائد الصيني في قمة البريكس الأخيرة على أن العولمة الاقتصادية تيار لا يمكن وقفه. ويبدو أن الذكاء الاصطناعي هو اليوم أحد أقوى محركات هذا التيار، حيث يمنح الدول النامية إمكانية تجاوز المراحل التقليدية للنهضة والولوج مباشرة إلى الاقتصاد الرقمي.
إن التجربة الصينية مع “الذكاء الاصطناعي+” تثبت أن الذكاء الاصطناعي ليس حكرا على قلة من الدول، بل هو فرصة قابلة للتشارك. وبالنسبة للدول العربية، فإن التعاون مع الصين في هذا المجال يمكن أن يحول الذكاء الاصطناعي من تكنولوجيا بعيدة المنال إلى أداة عملية تدعم التنويع الاقتصادي وتخدم حياة المواطنين. وربما نشهد في المستقبل القريب تشكّل “طريق حرير للذكاء الاصطناعي”، يربط بين الصين والعالم العربي، ويمنح الجنوب العالمي برمته دفعة جديدة نحو مستقبل أكثر انفتاحا وازدهارا.