الذكاء الاصطناعي.. والخطوط الحمراء
(العربية)-28/10/2025
*د. خالد رمضان
في لحظة تاريخية غير مسبوقة، وقّع أكثر من 850 شخصية عالمية بارزة على وثيقة قد تكون الأكثر خطورة في مسيرة الذكاء الاصطناعي.. هذا البيان الصادر عن معهد “مستقبل الحياة” في بوسطن، ليس مجرد دعوة لتعليق مؤقت لتطوير الذكاء الاصطناعي، كما حدث في 2023، بل هو صرخة استغاثة عاجلة تطالب بحظر عالمي لتطوير “الذكاء الفائق”، ذلك العقل الآلي الذي يُتوقع أن يتجاوز قدرات البشر.. هذا التحالف الفريد من الموقعين يضم نخبة من العلماء، رواد التكنولوجيا، قادة الأعمال، السياسيين، وحتى الفنانين، في جبهة موحدة قلما تجتمع حول قضية واحدة.
في طليعة الموقعين نجد أسماء لامعة مثل يوشوا بنجيو وجيفري هينتون، من رواد الذكاء الاصطناعي، إلى جانب خبراء السلامة مثل ستيوارت راسل.. وتمتد القائمة لتشمل قادة تكنولوجيا مثل ستيف وزنياك، مؤسس آبل المشارك، ورجل الأعمال ريتشارد برانسون، بالإضافة إلى شخصيات سياسية مثل سوزان رايس ومايك مولن، وصولاً إلى المؤرخ يوفال نوح هراري والفنان ويل آي. آم.؟ هذا التنوع يعكس قلقًا عابرًا للحدود، يتجاوز الأوساط الأكاديمية إلى قلب المجتمع العالمي.
ولكن، لماذا الذكاء الفائق؟ ولماذا الآن؟ الإجابة تكمن في المخاطر الجسيمة التي يحملها، فالذكاء الفائق لا يعني مجرد آلة ذكية، بل كيانًا قادرًا على اتخاذ قرارات مستقلة، يعيد كتابة قواعده الذاتية، ويحقق أهدافه بكفاءة لا تُضاهى، حتى لو كانت هذه الأهداف لا تتوافق مع مصالح البشرية.. التاريخ يحفل بالدروس: الأزمة المالية لعام 2008، على سبيل المثال، اندلعت بسبب أدوات مالية معقدة لم يستطع حتى مبتكروها التنبؤ بتداعياتها، فكيف إذا كنا نتحدث عن عقل اصطناعي يفوق قدرات البشر مجتمعين؟ الخطر ليس في نوايا الآلة الشريرة، بل في احتمال أن تعمل بكفاءة فائقة دون مراعاة احتياجاتنا أو قيمنا.
هذا البيان الاستثنائي، ليس نهاية المطاف، بل يمكن أن يكون بداية جادة لحوار عالمي موسع حول الوجهة التي يسير نحوها الذكاء الاصطناعي، والهدف قطعاً، ليس إيقاف التقدم الكاسح الذي يقوده الذكاء الاصطناعي، بل إن الأمر يتعلق بتوجيهه لخدمة البشرية، وبكل تأكيد، فإنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث ثورة في الطب، والعلوم، والتعليم، دون الحاجة إلى خلق كيانات فائقة الذكاء تخرج عن سيطرتنا.. والمطلوب هو إعادة التفكير في مسارنا، نريد أدوات ذكية تخدم الإنسان، لا كائنات مستقلة تعيد تشكيل العالم وفق رؤيتها، المستقبل بين أيدينا، لكن الوقت ينفد لرسم الخطوط الحمراء.
