الذكاء الاصطناعي.. والمخترعات الحديثة
(العربية)-24/12/2025
*د. خالد رمضان
لا أحد ينكر كيف غيرت المخترعات الحديثة حياة الناس، وجعلتهم يعيشون بشكل أفضل، وأبرز مثال على ذلك السيارات والطائرات والهواتف الذكية، وقد أدى التطور التقني المذهل إلى خلق طلب قوي على المعادن النادرة، وإذا كان انتشار السيارات قد استغرق قرناً من الزمان، والهواتف عقدين، فإن الذكاء الاصطناعي سوف يغير العالم في غضون سنوات قليلة، من جهة أخرى، سوف يمنح الطلب على هذه المواد الاستثنائية، الدول المنتجة، قوة جيوسياسية هائلة، ويرسم خريطة جديدة للعلاقات الدولية، والمعادلة هي أن من يفوز في هذه المعركة سيحكم العالم.
في بدايات القرن العشرين، كان امتلاك سيارة حلماً بعيد المنال، فقد كان هناك 5 أشخاص فقط من كل 1000 شخص هم من يمتلكون سيارة، ولم يكن الإنتاج السنوي يتجاوز بضعة آلاف، وكان الناس يتنقلون إما سيراً على الأقدام أو ركوب الترام، وكانت احتياجاتهم من البقالة إلى المدرسة والمستشفى متوفرة في دائرة نصف قطرها ميلان فقط، ثم جاء هنري فورد في عام 1913، وأحدث ثورة بخطوط تجميع المركبات، فأصبحت السيارة متاحة للطبقة الوسطى، وانخفض سعر سيارة فورد موديل تي من 850 دولاراً عام 1908 إلى 360 دولاراً عام 1916، ورغم الكساد الكبير، عادت المبيعات للارتفاع بعد الحرب العالمية الثانية، كأنها طائر الفينيق ينهض من الرماد.
ومع انتشار السيارات، أصبح التنقل أسهل، فانتقل الناس إلى ضواحي بعيدة عن أماكن عملهم، وفي الأربعينيات والخمسينيات، دفع لوبي قوي يشمل شركات النفط والسيارات والبناء نحو تبنى سياسات حكومية تعزز الطرق، مما جعل السيارة ضرورة يومية، وتغير وجه المدن الحديثة حيث امتدت المسافات بين المنازل وأماكن العمل، وبحلول الستينيات، كان ثلثا العمال يقودون سياراتهم، ووصل متوسط مسافة التنقل إلى 16 كيلومتراً، ومع ذلك، لا يجب أن ننسى أن هذه الراحة جاءت بثمن باهظ: تلوث أكبر، وتكاليف أعلى، فنشأ الطلب على سيارات أخف وأكثر كفاءة في استخدام الوقود.
هنا، دخلت المواد المتخصصة المشهد بقوة، وعلى سبيل المثال، في عام 1970، كان هيكل السيارة كله من نوع واحد من الفولاذ، لكن، بحلول عام 2017، أصبح هيكل السيارة يتكون من 10 أنواع فولاذ متخصصة لتقليل الوزن، وكل نوع يحتوي على عناصر كيميائية نادرة مثل الموليبدينوم والفاناديوم، التي تمنح القوة والمتانة ومقاومة الصدأ، وهذه العناصر مستخرجة من دول قليلة فقط، مما يضع ضغطاً على سلاسل التوريد العالمية، ويثير توترات جمركية بين الشركاء التجاريين، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين.
أما الهاتف الذكي، فيعد مثالًا آخر على التكنولوجيا التي تُولّد طلبًا قوياً على المعادن النادرة وتؤثر على السياسات الخارجية للدول، لأنه بدون هذا الجهاز الصغير، يشعر الكثيرون بالعجز، ويصابون برهاب من فقدانه، ويحتوي كل هاتف على ثلاثة أرباع العناصر الضرورية لشاشات اللمس، والبطاريات، والكاميرات، والمكبرات، هذه العناصر تجعل الجهاز يعمل بسحر، لكنها أيضاً تسببت في مشكلات تتعلق بسلاسل التوريد، والآن، يدخل الذكاء الاصطناعي المعركة كلاعب عملاق، يعتمد على كميات هائلة من المعادن النادرة لصنع الرقائق والأجهزة، مما يفاقم الاعتماد على موارد محدودة، وهذا الضغط سوف يعيد تشكيل خريطة القوى العالمية، ويثير توترات جيوسياسية.
