الطريق إلى الحرب عبر الهجمات المالية
(العربية)-20/03/2024
*هارولد جيمس
نظرا لضرورة اعتبار الاستقرار المالي العالمي منفعة عامة، فإن عديدا من المؤسسات الدولية تتفانى في تهيئة الظروف اللازمة لدعم هذا الاستقرار. ومع ذلك، فإن الصراع الجيوسياسي غالبا ما يحدث تغييرا في طريقة التفكير، فيصبح عدم الاستقرار، فجأة، أداة فعالة لحماية المصالح الخاصة في منافسة عالمية محصلتها صفر. ويشهد عصرنا الحالي الذي يتسم بالحروب التجارية، وبسلاسل إمداد عابرة للحدود، وبتقييد الوصول إلى التكنولوجيات الرئيسة – لنسمها “السياسة الجيوتقنية” ـ نسخة جديدة من هذه الديناميكية القديمة. وإذا كان لنا أن نسترشد بالتاريخ، فإننا على أبواب حرب مالية.
في القرن الـ20، وقبل اندلاع الحربين العالميتين، شكلت كتل متنافسة وارتفع عدد الهجمات المالية محددة الأهداف. ومع تصاعد التوترات الدبلوماسية، حاول كل جانب تقويض قدرات الطرف الآخر عن طريق شن حرب استنزاف مالية. إذن، فإن التعبئة المالية سبقت التعبئة العسكرية في الفترة ما قبل 1914.
وكانت الهجمات المالية خلال الفترة التي سبقت الحرب في 1939 واضحة بجلاء. فقد أظهرت أزمة الكساد الأعظم كيف يمكن لحالات الذعر وانهيار البنوك أن تؤدي إلى إضعاف معنويات بلدان بأكملها وتدميرها، وهو ما رآه الخبراء الاستراتيجيون سلاحا متاحا لهم. فنظرا لأن انهيار أسعار السندات أو تدفقات العملة إلى الخارج من شأنه أن يجبر الحكومات على اعتماد سياسة التقشف ضمن الإجراءات المالية المضادة، فإن صنع أزمة مالية كان وسيلة فعالة للحد من إنفاق المنافس على الدفاع (القطاع الذي شكل على الدوام حصة الأسد من الميزانية).
وفي ظل التوترات العالمية المتصاعدة في أعقاب جائحة كوفيد – 19 والحرب الروسية – الأوكرانية في 2022، من المنطقي أن نشعر بالقلق من انهيار النظام الدولي، ومن كون الأولويات الأخرى حلت محل السعي إلى تحقيق الاستقرار المالي باعتباره منفعة عامة عالمية. فقد بدأت الاستراتيجيات التي كانت تنتهج سابقا للفوز في لعبة محصلتها صفر تظهر من جديد، وعادت الحرب المالية بقوة في شكل عقوبات.
إن نقاط الضعف واضحة في جميع أنحاء العالم. فقد شجع نظام أسعار الفائدة المنخفضة الذي ساد على مدى الأعوام الـ15 الماضية الطفرات التي شهدها مجال البناء في مختلف أنحاء العالم، لكن كوفيد – 19 غير أنماط المعيشة والعمل، ما أدى إلى تحول غير محدد في التوقعات فيما يتعلق بكيفية استخدام المباني والبنية التحتية المرتبطة بها (إذا استخدمت على الإطلاق). ومع تراجع الوظائف في قطاع الخدمات الإدارية في مراكز المدن الكبرى، أصبحت العقارات التجارية معرضة للخطر بصورة خاصة، ونحن نشهد بالفعل الانهيار الهائل الذي تتعرض له شركات تطوير عقار الرائدة مثل “إيفرغراند” في الصين، و”سيغنا” في النمسا وأوروبا الوسطى.
وتطول الاضطرابات أسواق الأسهم أيضا. إذ انخفض مؤشر “مويكس” الروسي بأكثر من 50 % خلال عام بعد أكتوبر 2021، ومع أنه بدأ في الارتفاع في أكتوبر 2022، إلا أنه يتعثر الآن مرة أخرى.
كذلك، انخفض مؤشر شنغهاي المركب في الصين بنحو الثلث في الفترة الممتدة من سبتمبر 2021 إلى نهاية يناير 2024.
ومنذ ذلك الحين، تتدخل السلطات الصينية عن طريق اتخاذ تدابير على نطاق يتسع على نحو متزايد للحد من المضاربة ووقف الانهيار. ويبدو الوضع في هونغ كونغ – الوسيط المالي الرئيس بين الصين والعالم – أسوأ من ذلك.
لقد بدأت روسيا أولا بإبداء ملاحظة تقول فيها “إن الدولار هو أساس قوة الولايات المتحدة”. ثم رسم سيناريو يقلص فيه العالم اعتماده على الدولار وإلحاق مزيد من الضعف بأمريكا، حيث قال: “لكنهم لن يتوقفوا عن الطباعة. على ماذا يدل الدين البالغة قيمته 33 تريليون دولار؟ لقد حدث بسبب إصدار الأوراق المالية”.
لكن مع استمرار تزايد نقاط الضعف المالية العالمية، فإن اعتماد الأساليب العدائية في مسرح الحرب الهجينة يبدو أكثر منطقية من استخدام الأسلحة النووية. ونحن على يقين من أن منافسي أمريكا سيعتمدون على نحو متزايد على قوة السرد لاستغلال مكامن الضعف في الأسواق الغربية الكبرى.