خمس حقائق رئيسية عن “الاحتيال المالي”
(سي ان بي سي)-29/07/2025
لم يعد الاحتيال المالي في عالم الاقتصاد الحديث مجرد نشاط فردي عابر، بل تحول إلى منظومة معقدة تُدار بأساليب احترافية تستهدف الأفراد والمؤسسات على حد سواء. ولا يقتصر هذا الاحتيال على سرقة الأموال فقط، إنما يتسلل إلى سمعة الشركات واستقرار الأسواق، ويقوّض الثقة التي يقوم عليها النظام المالي العالمي.
تتخذ جرائم الاحتيال المالي أشكالًا متعددة، بدءاً من التلاعب بالحسابات وتزوير البيانات، مروراً بمخططات الاستثمار الوهمية، وصولاً إلى الاختراقات الإلكترونية التي تستنزف مليارات الدولارات سنوياً. ويزداد خطر هذه الجرائم مع توسع الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية والخدمات المصرفية الإلكترونية، حيث تتسع مساحة الاستهداف وتتعقد أساليب الجريمة.
ولا تكمن خطورة الاحتيال المالي فقط في خسارة الأموال، بل في قدرتها على زعزعة الاستقرار الاقتصادي، وإفقاد الثقة بين الأطراف التجارية، وإلحاق الضرر بسمعة المؤسسات المالية والحكومات. لذا فإن مواجهة هذا التحدي تتطلب وعيًا مجتمعيًا شاملاً، وإجراءات رقابية صارمة، وتعاونًا دوليًا واسعًا لتقليص أثره ودرء مخاطره.
ومن خسائر عالمية بلغت 3.1 تريليون دولار إلى الاستخدام المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي العميق الـ (Deepfakes) في عمليات الاحتيال، يتكشف جانباً إضافياً من مشهد المخاطر المتنامي الذي يهدد الأفراد والمؤسسات والحكومات على حد سواء، وهو ما تضيء عليه سلسلة “الاحتيال في البيانات” الخاصة بـ Visual Capitalist وشركة Inigo Insurance والتي تكشف حجم ونطاق وأساليب الاحتيال المالي المتغيرة في العام 2025.. وتبعاً لما تُظهره تلك السلسلة، فثمة خمس حقائق رئيسية عن الاحتيال المالي، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولاً- حجم الخسائر
النظام المالي العالمي يتعرض لهجوم واسع النطاق؛ فالجرائم المالية تستنزف الآن أكثر من 3.1 تريليون دولار من الاقتصاد العالمي، وهو ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا.
برزت الجريمة المنظمة كأكبر الجناة، إذ تمثل 1.96 تريليون دولار من الأنشطة غير المشروعة عالمياً. وضمن هذه الفئة، وحده الاحتيال مسؤول عن خسائر سنوية تقارب 500 مليار دولار.
يمتد تأثير هذه الجرائم إلى جميع أنحاء العالم، حيث تتوزع الأضرار بالتساوي عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والأميركيتين.
ثانياً- الجرائم الأكثر شيوعاً
تروي الجرائم المالية الأكثر شيوعاً قصة أخرى: وهي الثغرات اليومية التي يستغلها المجرمون على نطاق واسع.
يأتي تزوير الشيكات والمعاملات غير المبررة ضمن المراتب الثلاث الأولى، إذ يسجل كل منهما أكثر من 500 ألف بلاغ شهرياً في الولايات المتحدة. وتشمل المشكلات واسعة الانتشار الأخرى التحويلات المشبوهة وسرقة الهوية وتنفيذ المعاملات من مواقع متعددة.
ومع شعور غالبية المؤسسات بعدم الاستعداد الكافي للتعامل مع هذه التهديدات المتطورة، لم يعد الاعتماد على اليقظة القائمة على البيانات خيارًا، بل أصبح ضرورة لا غنى عنها.
ثالثاً- أكثر الجرائم المالية تكلفة
يظهر تحليل متعمق لبيانات مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)أن الخسائر المبلغ عنها جراء الجرائم المالية في العام 2024 وحده بلغت 16.6 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 33 % مقارنة بالعام السابق.
تصدرت عمليات الاحتيال الاستثماري قائمة الخسائر بقيمة 6.6 مليار دولار، تلتها عمليات الاحتيال عبر البريد الإلكتروني التجاري بقيمة 2.8 مليار دولار، ثم عمليات الاحتيال في الدعم الفني بقيمة 1.5 مليار دولار. وليس من المستغرب أن كبار السن (60 عامًا فأكثر) كانوا الأكثر تضررًا، إذ خسروا ما يقارب 4.8 مليار دولار خلال العام الماضي.
كما تسببت تهديدات مثل عمليات الاحتيال العاطفي (Romance Scams) وانتحال صفة موظفي الحكومة في خسائر بلغت مئات الملايين من الدولارات.
رابعاً- بؤر الجرائم المالية في الولايات المتحدة
لا تنتشر جرائم الاحتيال بشكل متساوٍ.. وفي الولايات المتحدة، تصدرت ديلاوير وساوث داكوتا ويوتا القائمة من حيث عدد تقارير الأنشطة المشبوهة لكل 10 آلاف شخص. ويُعزى ذلك في حالة ديلاوير جزئياً إلى القوانين الصديقة للأعمال، التي قد تجذب عن غير قصد بعض الجهات غير المشروعة بسبب العدد الكبير من الشركات المسجلة في الولاية.
في المقابل، شهدت ولايات مثل أيداهو وفيرمونت عددًا أقل بكثير من هذه التقارير، غالبًا بسبب صغر حجم السكان وطبيعة الاقتصاديات الريفية فيها.
خامساً- السرقات في عالم العملات المشفرة
التكنولوجيا التي تقوم عليها بعض شبكات العملات الرقمية المشفرة قد تبدو صندوقًا أسود يصعب اختراقه، لكن بعض أكبر السرقات الرقمية لم تعتمد على القرصنة القسرية، بل استغلت أضعف حلقات الأمان: الثقة البشرية.
تشير بيانات TRM، إلى أن ما يعادل أكثر من 2.1 مليار دولار استولى عليها قراصنة العملات المشفرة في النصف الأول من 2025 عبر ما لا يقل عن 75 عملية اختراق واستغلال مختلفة.
هذا المستوى يمثل أكبر رقم قياسي في 6 أشهر متجاوزاً الرقم القياسي السابق للنصف الأول من عام 2022 بنحو 10%.
ونسبة 70% من هذه “المسروقات” جاءت من عملية اختراق شركة Bybit بقيمة 1.5 مليار دولار والتي نُسبت إلى كوريا الشمالية. كما أن أكثر من 80% من الأموال المسروقة جاءت من خلال الهجمات على البنية الأساسية مثل سرقة المفاتيح الخاصة وعبارات الاسترداد أو اختراق واجهات المستخدم.
تعتمد هذه الهجمات غالباً على الهندسة الاجتماعية أو تعاون داخلي لاختراق المنظومات التقنية الأساسية.