دول الخليج تُعيد تدوير ثرواتها النفطية: طفرة استثمارية في الذكاء الاصطناعي بـ 3.2 تريليون دولار
(النهار)-03/09/2025
الدكتور عبد المنعم يوسف*
تشهد دول الخليج العربي تحوّلاً استراتيجياً يتمثل في إعادة توجيه عوائد النفط والغاز نحو استثمارات رقمية هائلة في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. ويقود هذا المسار كل من السعودية والإمارات وقطر، في خطوة تمثل نقطة فاصلة في تاريخ اقتصادات المنطقة التي اعتمدت لعقود على البترول والصناعات البتروكيميائية.
وفقاً لبيانات حديثة، بلغ حجم الاستثمارات الخليجية المقررة في مجال الذكاء الاصطناعي والبنى التكنولوجية المرتبطة به للأربع سنوات المقبلة نحو 3,2 تريليونات دولار، موزعة كالآتي:
– السعودية: 600 مليار دولار، مع استثمارات إضافية بلغت 20 مليار دولار في مؤتمر LEAP 2025 وحده، بينها 15 ملياراً مباشرة في الذكاء الاصطناعي. كما ضخ الصندوق السعودي للاستثمارات العامة 10 مليارات دولار لتأسيس شركة Humain لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي سيادية عربية.
– الإمارات: رفعت استثماراتها في التكنولوجيا إلى 1.4 تريليون دولار، بينها 200 مليار للتقنيات الجديدة، فضلاً عن إطلاق الصندوق الاستثماري MGX بقيمة 100 مليار دولار لدعم منظومة الذكاء الاصطناعي. ووقعت شراكات استراتيجية تجاوزت 50 مليار يورو لتشييد أكبر مجمع بيانات ذكاء اصطناعي في أوروبا، ومقره فرنسا.
– قطر: خصصت نحو 1,2 تريليون دولار لبناء بنية تحتية رقمية وتطوير منصات ذكاء اصطناعي، ما يجعلها من المستثمرين الكبار عالمياً في هذا المجال.
تركزت هذه الاستثمارات على ركائز إنتاجية صلبة تندمج في نموذج صناعي انتاجي متكامل: مراكز بيانات فائقة القدرة، شبكات تخزين رقمية ضخمة جداً، تطوير صناعة أشباه الموصلات الدقيقة، بناء محطات عملاقة لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ودشّنت الإمارات مجمع Stargate، أضخم تجمع للذكاء الاصطناعي خارج أميركا الشمالية، بالشراكة مع عمالقة التكنولوجيا مثل OpenAI وNvidia لأشباه الموصلات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، فيما تعمل السعودية على تشغيل مراكز الطاقة لتغذية مراكز البيانات العملاقة بسعة مستهدفة تبلغ 2200 ميغاواط، لدعم مشروعات المدن الذكية مثل “نيوم” و”ذا لاين”.
إلى ذلك، أطلقت الدول الخليجية منصات رقمية متخصصة: دشنت الإمارات منصة TestAI للتحقق من دقة النماذج، ومنصة Quill لتطوير القدرات اللغوية التوليدية والتحاورية مع مولدات الذكاء الاصطناعي، وبرامج “مليون موهبة في الذكاء الاصطناعي” لتدريب الكوادر المحلية حتى 2027. وأوكلت السعودية إلى هيئة “سدايا” قيادة التحول الرقمي والإشراف على إتمام تنفيذ المشاريع الريادية وتسهيلها في الذكاء الاصطناعي خصوصا في مجالات الصحة، الطاقة، التمويل، والتعليم.
ولأن التكنولوجيا تحتاج بيئة تنظيمية رشيدة، اعتمدت المملكة ضمن “رؤية 2030″، والإمارات ضمن “استراتيجية 2031” حوكمة وتشريعات سابقة لخطوات مشابهة اتخذتها أوروبا وأميركا، بما يضمن الاستخدام المسؤول للتقنيات وحماية البيانات مع تحفيز الابتكار.
إن التحوّلات الجذرية في الخيارات الخليجية الحكومية للتوظيف والاستثمار ليست مجرد ضخ أموال في مشاريع رقمية، بل هي إعادة صوغ للنموذج الاقتصادي برمته. إن 81% من الشركات الكبرى المملوكة من الحكومات أو القطاع الخاص الخليجي تخطط لزيادة استثماراتها الرقمية، بينما ترى 72% من هذه الكيانات أن عوائد الذكاء الاصطناعي ستصبح أحد أعمدة الإيرادات المستقبلية.
الهدف الاقتصادي الاستراتيجي للسعودية هو دخول قائمة أفضل 15 دولة عالمياً في مؤشرات الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، فيما تهدف الإمارات الى أن تكون الأولى عالمياً في القطاع بحلول 2031. أما قطر، فترى في استثماراتها الضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي خطوة لتعزيز موقعها كفاعل رئيسي في السوق العالمية.
في الخلاصة، يعيش اقتصاد دول الخليج النفطية حالياً تحولاً تاريخياً: فهذه الدول تعيد تدوير فوائض النفط في استثمارات معرفية وتكنولوجية بقيمة تتخطى 3,2 تريليونات دولار، لتضع نفسها على خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية كلاعب أساسي ليس في الاستهلاك فحسب، بل في الإنتاج والتصدير أيضاً. وإذا استمرت هذه الخطط بالزخم عينه، فإن العقد المقبل قد يشهد انتقال مركز ثقل اقتصادي جديد من الذهب الأسود إلى “النفط الرقمي”، اي إنتاج خدمات وبنى الذكاء الاصطناعي.
*الرئيس المدير العام السابق لهيئة “أوجيرو” – لبنان