رعب الديون الأميركية
(العربية)-26/12/2024
*محمد كركوتي
لا تنتهي المخاوف من الدين الأميركي العام، سواء في أوقات النمو المقبول، أو الركود المؤثر. وصارت هذه المسألة منذ عقود جزءاً أصيلاً من المشهد الاقتصادي ومعه الاجتماعي، فضلا عن التجاذبات السياسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وارتفعت حدة هذه المخاوف أيضاً، في أعقاب سلسلة من الصعوبات مرت بها الولايات المتحدة (ومعها العالم) بداية العقد الحالي، وفي مقدمتها جائحة “كورونا”، وتراجع النمو، بل وبقاء أكبر اقتصاد في العالم في منطقة ركود استمرت فترة تعد طويلة. إلى جانب ذلك، كانت التأثيرات السلبية الناجمة عن اضطرار المشرعين في البلاد، لرفع معدلات الفائدة، في مواجهة الموجة التضخمية العالمي، التي طالت في الواقع جميع الدول. وفي ظل العوامل، تصاعدت المخاوف الآتية من جهة الدين العام الأميركي، حتى أن البلاد اقتربت من العجز عن السداد، في بعض الأحيان نتيجة الصراع السياسي حول رفع سقف الدين.
التحذيرات من هذه المسألة-المشكلة، لا تتوقف، حتى أن جانيت يلين وزيرة الخزانة، تعتقد أن تمديد أحكام القانون الخاص بالخفوض الضريبية الصادر في 2017 الذي تنتهي مدته قريباً، سيضيف 5 تريليونات دولار إلى عجز البلاد خلال السنوات العشر المقبلة. وأمام هذه الحقيقة، ليس أمام الإدارات الأميركية المختلفة سوى إيجاد مصادر تمويل أخرى، لماذا؟ لكيلا يحدث “انفجار ديون”، تصعب السيطرة عليه. فالدين الفيدرالي العام للولايات المتحدة، يشمل سندات تصدرها الحكومة خارجياً ومحلياً، ولا تضم سندات الضمان، الصادرات عن الحكومات المحلية وحكومات الولايات. ومع الإدارة الأميركية الجديدة التي ستتسلم مقاليد الحكم الشهر المقبل، ستكون هناك مخاوف جديدة، لأنها ستتبع إستراتيجيتها القائمة على الضرائب المنخفضة، خصوصاً إذا ما مددت قانون الخفوض الضريبية.
في الصيف الماضي نما حجم الدين العام الأميركي بوتيرة قوية، ليصل إلى 35 تريليون دولار، لأول مرة في تاريخ البلاد. فقد بلغت الزيادة في أبرع أشهر نحو 900 مليار دولار. وبالرغم من تسجيل الاقتصاد الأميركي قفزات لا بأس بها في العامين الماضيين على صعيد النمو، مقارنة ببقية الاقتصادات الغربية الأخرى، إلا أنه توقف حجمه عند 28.78 تريليون دولار، ما يعني أنه العجز العام في حدود 7 تريليونات دولار تقريباً. فقد سجلت إدارة الرئيس جو بايدن عجزاً خلال السنة المالية المنتهية في سبتمبر الماضي بلغ 1.83 تريليون دولار. ووزارة الخزانة عدت هذا العجز، على أنه الأكبر خارج فترة “كورونا”. وبذلك قفزت تكلفة الفوائد على الديون فوق حاجز التريليون دولار، أيضاً لأول مرة.
المشهد العام للدين الأميركي سيبقى قاتماً لسنوات عديدة، في ظل إنفاق لا يتوقف، بينما الموارد تظل محدودة، إلى أن يتم العثور على مصادر يمكنها أن تسهم في الموازنة. ولا شك في أن السياسات التي ستتبعها إدارة الرئيس المقبل دونالد ترمب، ستحدد بصورة أكبر الشكل العام لهذه الديون المتصاعدة. فضلا عن الآثار التي ستتركها السياسة التجارية الجديدة، التي إذا ما طبقت فعلاً، سترفع من مستويات التضخم، وهو أمر سيدفع المشرعين في الولايات المتحدة للعودة مجدداً إلى السياق العام لرفع الفائدة، ما يؤثر في وتيرة النمو بصورة سلبية. الديون العامة، ليست حكراً على الولايات المتحدة بالطبع، فاليابان (مثلاً) تعاني ديون تفوق مرتين حجم ناتجها المحلي الإجمالي، لكن الذي يميز بين ديون وأخرى، مدى السيطرة عليها، وكيفية ترشيد الإنفاق، والأهم عدم السحب على المكشوف. إنها عملية حساسة جداً، وخطرة جداً أيضاً.