صراع العصر الرقمي.. الخوارزميات في مواجهة حقوق العمال
(البيان)-17/04/2025
في أحد أيام الشهر الماضي، وقف رجل ذو لحية بيضاء أمام المقر الرئيس لشركة أوبر في العاصمة البريطانية لندن، ممسكاً بملف بلاستيكي شفاف يحوي مجموعة رسائل مطبوعة ورسائل بريد إلكتروني، إضافة إلى خريطة مرسومة يدوياً تحمل تعليقات تفصيلية، في مشهد يوحي باستعداده لمواجهة ما أو تقديم شكوى محددة للشركة.
فقد السائق غلام قادر عمله مع شركة أوبر عام 2018 بعدما أوقفت الشركة حسابه، إثر ما وصفه بسوء فهم مع راكبة سددت أجرتها نقداً حين ألغى التطبيق رحلتها، فبذل غلام جهوداً مضنية لشرح حقيقة ما جرى للشركة، مستعيناً بالخريطة التي رسمها بنفسه، إلا أنه لم يجد آذاناً صاغية، ما دفعه للجوء إلى عضو البرلمان عن دائرته للتدخل في قضيته.
أضحى اللجوء للبرلمانيين هو الملاذ الأخير لسائقي أوبر، تماماً كما يفعل العملاء حين يضغطون زر الصفر مراراً خلال المكالمات الآلية أملاً في التحدّث مع موظف حقيقي، غير أن غلام استهجن هذا الوضع قائلاً: «ينبغي أن يتفرغ البرلمان للقضايا العالمية، لا لمشكلتي الشخصية».
وقف قادر أمام مقر الشركة لتسليم عريضة تحمل توقيعات 10 آلاف سائق ومناصريهم، نظمتها منصة «أورجانايز» المعنية بحقوق العمال، احتجاجاً على ما وصفوه بـ«الفصل الآلي» و«الإيقافات التعسفية».
وقد دافعت أوبر عن موقفها، مؤكدةً تحسن سياساتها بشكل كبير منذ نوفمبر 2023، وإتاحتها الفرصة لجميع السائقين لطلب مراجعة قضاياهم أمام لجنة خبراء، وقال متحدث بلسانها: «نسعى باستمرار لضمان شفافية وعدالة إجراءاتنا»، بيد أن هذه العريضة تكشف عن تناقض ملموس في توجهات الحكومة البريطانية نحو المستقبل.
فبينما يتعهد رئيس الوزراء بإزالة العوائق البيروقراطية لضخ تقنيات الذكاء الاصطناعي «في شرايين» الاقتصاد البريطاني، إيماناً منه بدورها في تعزيز الإنتاجية ودفع عجلة النمو، يجب على الحكومة أن تلتزم في الوقت نفسه بتحسين ظروف العمل وتوفير بيئة أكثر إنصافاً واستقراراً للعمال ذوي الدخل المحدود.
هذه الأهداف ليست بالضرورة متعارضة من الناحية النظرية، إذ أن مصلحة العمال تكمن في زيادة إنتاجيتهم، شريطة ضمان حصولهم على نصيب عادل من مكاسب هذه الإنتاجية.
وبالفعل، هناك العديد من الموظفين الذين بدؤوا بالفعل في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (في بعض الأحيان دون علم أرباب عملهم)، نظراً لإدراكهم للقيمة المضافة التي تقدمها هذه الأدوات في اختصار بعض المهام الروتينية مثل صياغة رسائل البريد الإلكتروني.
غير أن أحد الاستخدامات الآخذة في الازدياد لتقنيات الذكاء الاصطناعي والنظم الخوارزمية يتمثل في اتخاذ قرارات حاسمة تخص العاملين، بدءاً من التوظيف وصولاً إلى تقييم الأداء، فقد كشف استطلاع أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي، شمل أكثر من 6 آلاف مدير متوسط في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وأسبانيا والولايات المتحدة، أن استخدام أدوات الإدارة الخوارزمية – التي اشتهرت بها أولا شركات الاقتصاد التشاركي مثل أوبر – أصبحت منتشرة على نطاق واسع.
وتراوحت نسبة تبني هذه التقنيات من 90% في الولايات المتحدة إلى 40% في اليابان، ومع ذلك، بدا أن المديرين أنفسهم يشعرون بشيء من القلق إزاء هذه الأدوات، إذ أقر 6 من كل عشرة بأن التكنولوجيا حسنت جودة قراراتهم، إلا أن نحو ثلثا المشاركين أبدوا مخاوف متعددة، وتصدرت قائمة المخاوف مسألة غموض المساءلة عند اتخاذ قرار خاطئ، تلتها صعوبة فهم منطق القرارات التي تتخذها الخوارزميات، ثم عدم كفاية إجراءات حماية الصحة البدنية والنفسية للعاملين.
وتتضح هذه التوترات في المملكة المتحدة خلال مناقشة مشروع قانون البيانات (الاستخدام والوصول) حاليا في البرلمان، حيث تبدي النقابات العمالية مخاوف من أن أحد بنود مشروع القانون قد يضعف القانون المتعلق بعملية صنع القرار بشكل آلي. فالتشريع المقترح سينقل هذا من الحظر العام مع بعض الاستثناءات، إلى السماح العام مع بعض الضمانات، كحق الأفراد في الطعن على القرارات بشأنهم، وإمكانية الحصول على تفسير لكيفية اتخاذها، وضمان التدخل البشري.
ويرى آدم كانتويل-كورن، مسؤول السياسات في الاتحاد العام لنقابات عمال بريطانيا، المنظمة الجامعة للنقابات العمالية البريطانية، أن المشكلة الأساسية في هذه الضمانات تكمن في إلقائها العبء على الفرد، فضلا عن كونها تأتي غالبا بعد وقوع الضرر، إذ يقول: «لنتصور عاملا يتلقى قرارا بشأن فصله أو تقييم أدائه أو توظيفه أو أي أمر آخر – فأولا، عليه أن يدرك حدوث ذلك… ثم يتعين عليه المرور بسلسلة عقبات قانونية وإدارية لطلب المعلومات والاعتراض على القرار».
ويضيف كانتويل-كورن: «حتى في بيئات العمل التي تشهد نشاطا نقابيا فاعلا وقويا يصبح تنفيذ هذه الإجراءات بالغ الصعوبة، أما في أماكن العمل التي تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار، فإن تطبيق هذه الضمانات يصبح مستحيلا عمليا».
والواقع أن آليات الحماية الحالية ضد القرارات الآلية تطبق بشكل ضعيف، إلا أن المبدأ الكامن وراء تغيير القانون يظل ذا أهمية كبرى، فشعار وادي السيليكون الداعم للتكنولوجيا «تحرك بسرعة واكسر الأشياء» لا يصلح عندما تكون «الأشياء» التي يمكن كسرها بشرا حقيقيين، يقفون على الأرصفة، يحملون بين أيديهم ملفات من الرسائل الإلكترونية المطبوعة، خصوصا إن كنت حكومة وعدت بالوقوف إلى جانب هؤلاء الناس.