“عملية السمك” حيلة البنوك المركزية للتحوّط ضدّ الحرب التجارية!
(النهار)-17/02/2025
سحب التجار في خلال الأسابيع الأخيرة أطناناً من سبائك المعادن الثمينة تقدر قيمتها بنحو 82 مليار دولار من خزائن بنك إنكلترا ونقلوها إلى نيويورك، بحسب ما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” يوم الأربعاء، وهو ما يعيد الى الأذهان “عملية السمك” التي نفذتها بريطانيا في خضم الحرب العالمية الثانية، فما هي “عملية السمك”؟ وهل يستعدّ المستثمرون والبنوك المركزية لحرب تجارية عالمية جديدة؟ وبماذا ينصح الخبراء للتحوّط ضدّ المخاطر المالية في 2025؟
نقل بعض المصادر عن أحد المسؤولين التنفيذيين في الصناعة قوله: “لم يعد الناس قادرين على الحصول على الذهب؛ لأنّ كميات كبيرة منه تمّ شحنها إلى نيويورك، أمّا الباقي فقد ظل عالقاً في الطابور. كما تضاءلت السيولة في سوق لندن”، بحسب موقع “نيويورك بوست”.
وبحسب المجلس العالمي للذهب، اشترت البنوك المركزية أكثر من 1000 طن من الذهب للعام الثالث خلال 2024، وكان البنك المركزي البولندي أكبر مشتري للمعدن النفيس بحيث أضاف 90 طناً إلى احتياطياته. كما ارتفعت أحجام تداول الذهب العالمية بنسبة 20 في المئة خلال كانون الثاني (يناير) 2025، مدفوعة بزيادة أحجام التداول سواء داخل أسواق المال أو خارجها.
وخلال الأيام الماضية سمحت الصين لأول مرة لشركات التأمين بشراء الذهب، ما سيمكّن عشر شركات تأمين، بينها “بي آي سي سي بروبرتي آند كاجوالتي” (PICC Property &Casualty) و”تشاينا لايف إنشورانس” (China Life Insurance) -وهما من أكبر شركات القطاع في الصين- من استثمار نحو 1% من أصولها في المعدن الأصفر، ما سيُترجم إلى استثمارات محتملة بقيمة 200 مليار يوان (27.4 مليار دولار).
ما هي عملية السمك (Operation Fish)؟
هي أكبر عملية لنقل الثروة عبر التاريخ، حدثت في 1 تموز (يوليو) 1940 في خضم الحرب العالمية الثانية، إذ شحنت المملكة المتحدة في عملية سرّية نحو 1500 طنّ من الذهب والأوراق المالية (قيمتها اليوم 140 مليار دولار) عبر المحيط الأطلسي لتخزينها في البنك المركزي الكندي في أوتاوا، جمعتها من الشعب الإنكليزي بموجب قانون الطوارئ، بغرض تمويل الجيش البريطاني والتحوّط من دخول الألمان بريطانيا والاستيلاء على ثرواتها، مثلما سرق جيش هتلر خزائن البنوك المركزية في البلدان المحتلة المجاورة، بما في ذلك النمسا التي شهدت واحدة من أعظم السرقات التي ارتكبتها حكومة في التاريخ، بعدما نهبت ألمانيا ما بين 90 طنّاً إلى 100 طن من الذهب النمسوي، وبولندا وبلجيكا وهولندا اللاتي سرق منها ملايين أخرى من الفضة والبلاتين والماس والأعمال الفنية وغيرها من الأصول.
وسُميت “عملية السمك” لأنه تم نقل ثروات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات في حاويات للأسماك مدوّن عليها عبارة “سري للغاية”، بحيث استقبل ميناء هاليفاكس الحيوي على الساحل الشرقي لكندا في 1 تموز 1940 أول شحنة سمك على متن السفينة الحربية “إتش إم إس إيمد”، لكن في واقع الأمر، لم تكن السفينة الخاضعة لحراسة مشددة تحمل أيّ مأكولات بحرية، بل كانت تحمل بدلاً من ذلك قدراً لا يُحصى من الثروة في هيئة ذهب وأوراق مالية.
لجأت بريطانيا الى هذه الحيلة في محاولة للهرب من الغواصات الألمانية المنتشرة في كل مكان في المحيط الأطلسي، وتمويل إمدادات الجيش الواردة من الولايات المتحدة التي كانت تقف وقتها على الحياد وتشترط الحصول على قيمة الأسلحة والإمدادات، إما نقداً بالدولار وإما مقايضة بالذهب، كما كانت ترفض أي عمليات ائتمان. لذلك استأمنت المملكة المتحدة حليفتها كندا على ثرواتها من المعادن الثمينة والأوراق المالية، بحيث تمّ تأمين هذه الثروة وحفظها في خزائن تحت الأرض بمبنى بنك كندا في شارع ويلينغتون في أوتاوا.
يقول جاكوب كيركيجارد من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إذا كنت شركة ترغب في الاحتفاظ بالذهب كملاذ آمن أو تحتاجه لاستخدامات صناعية، “لديك الحافز لنقله داخل الولايات المتحدة، بدلاً من قبو في لندن”، وعزا ذلك إلى قرب تطبيق التعريفات الجمركية الأميركية على المعادن المستوردة، بحسب موقع “ماركت بلاس”.
وأيده في الرأي روب هوورث من بنك “يو إس”، قائلاً: “فكر في التعريفات الجمركية والعقوبات والقيود الأخرى المفروضة على التجارة العالمية. قد نستمر في رؤية البنوك المركزية العالمية تنوع حيازاتها الاحتياطية في الذهب، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار الذهب”.
وسجل سعر الذهب الأربعاء 12 شباط (فبراير) الجاري 2,885.53 دولاراً للأوقية، بعد أن كان قد ارتفع الثلاثاء إلى مستوى قياسي بلغ 2,942.70 دولاراً، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2010.
توصيات الأثرياء والخبراء
ويوصي روبرت كيوساكي، مؤلف كتاب الأب الغني والأب الفقير، في تغريده له عبر حسابه الرسمي بموقع “إكس”، بشراء الذهب خلال الفترة المقبلة قائلاً: “مع بدء تعريفات ترامب، قد تنهار أسعار الذهب والفضة وبيتكوين. جيد، سأشتري المزيد بعد انهيار الأسعار. المشكلة الحقيقية هي الديون، والتي ستزداد سوءاً”.
ويرى نجيب ساويرس، الملياردير المصري وسادس أغنى شخص في العالم العربي، أن الذهب سيواصل ارتفاعه خلال عام 2025، في ظل مواصلة البنوك المركزية خصوصاً في الصين وروسيا، سياسة اكتناز الذهب والتحوط ضد العقوبات الأميركية، واستمرار التوترات الجيوسياسية في العالم أجمع، وضعف إنتاج المناجم مقارنة بحجم الطلب على المعدن الأصفر، قائلاً: “كل المؤشرات بتقول إن الذهب هيكمّل في الارتفاع”، بحسب تصريحات أدلى بها خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
5 أسباب وراء “عملية السمك”
يقول عمرو وهيب، خبير أسواق المال وعضو مجلس إدارة شركة كايزن للاستشارات المالية لـ”النهار”، إن هجرة الذهب من بريطانيا إلى نيويورك سببها الرئيسي هو المخاوف من فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية على المعادن، ولكن هناك أسباب أخرى جوهرية مثل الانكماش الاقتصادي وانتشار البطالة وتوقعات بحدوث مجاعة جراء نقص حاد محتمل في المواد الغذائية بحلول عام 2028، بالإضافة إلى محاولات انفصال إيرلندا عن بريطانيا، كل ذلك دفع المستثمرين إلى التحوط ضدّ الأزمات المالية المحتملة خلال العامين المقبلين.
يذكر أن صافي الدين العام البريطاني سجل 88.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2023-2024، وارتفع إلى 97.8 في المئة عند تضمين بنك إنكلترا، وهذا هو أعلى دين تتكبده الحكومة منذ أوائل الستينات. كما أنّه في عامي 2022-2023 بلغ الإنفاق الحكومي في المملكة المتحدة نحو 1.15 تريليون جنيه استرليني (1.45 تريليون دولار)، أي نحو 45.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.