«كوب 16» ودور «فاو» في بناء نظم غذائية بالمنطقة العربية
(العربية)-04/12/2024
*عبد الحكيم الواعر
تتجه أنظار العالم إلى العاصمة السعودية الرياض التي تستضيف الدورة السادسة عشرة لمؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16)، في وقت تتصدر فيه قضية مكافحة تدهور الأراضي والتصحر المشهد العالمي. وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، التي تمثل فيها مشكلتا تدهور الأراضي وندرة المياه تحدياً كبيراً للغاية، يشكِّل المؤتمر فرصة محورية لعرض حلول نوعية تجمع بين الابتكار والفاعلية، وضرورية للتنمية المستدامة وبناء القدرة على الصمود أمام تغير المناخ.يهدد تدهور الأراضي في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا الأمن الغذائي وسبل العيش في الريف والنظم البيئية. فقد ارتفعت نسبة الأراضي المتدهورة بشكل مقلق من 40 إلى 70 في المائة خلال العقود الأخيرة، مع خسارة 1.5 مليون هكتار بين عامي 1990 و2020، علماً بأن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تقل عن 1 في المائة.
وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) خلال «كوب 16» الحاجة الملحّة إلى تبني ممارسات مستدامة في استعادة الأراضي باعتبار ذلك وسيلة لإحياء المناطق المتدهورة وتحسين صحة التربة وحماية التنوع البيولوجي، حيث تعمل المنظمة على تمكين البلدان، من خلال نهج الإدارة المتكاملة للأراضي، من معالجة الآثار المباشرة لتدهور الأراضي وبناء قدرة طويلة الأمد على الصمود في مجابهة التحديات المناخية. وتؤكد هذه الجهود دور النظم الغذائية والزراعية بوصفها حلولاً أساسية لمواجهة الأزمات المناخية ووقف تدهور الأراضي، وتتماشى مع الأولوية الثالثة: «تخضير الزراعة وندرة المياه والعمل المناخي» ضمن الإطار الإقليمي لأولويات المنظمة.تسببت موجات الجفاف في خسائر اقتصادية بلغت 70 مليار دولار في أفريقيا خلال الأعوام الخمسين الماضية، مع ازدياد حدتها وتواترها مما أثر على نظم المياه والغذاء في المنطقة. ويستهلك القطاع الزراعي 85 في المائة من موارد المياه المتجددة في المنطقة، في حين يأتي 60 في المائة من إمدادات المياه من خارج حدودها، مما يزيد من تعقيد إدارة هذه الموارد. ومع توقعات ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، من المتوقع أن تزداد هذه التحديات سوءاً.
وتسعى المنظمة من خلال مشاركتها في المؤتمر إلى دعم جهود مواجهة الجفاف عبر تطبيق تقنيات حديثة تشمل نظم الإنذار المبكر وأساليب ترشيد المياه، إلى جانب استثمار التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي. وتساعد هذه التقنيات على إدارة الموارد بكفاءة أعلى وتحسين التنبؤ بموجات الجفاف وتوزيع المياه بشكل أمثل. ويأتي ذلك في إطار المبادرة الإقليمية لندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا الهادفة إلى رفع كفاءة استخدام المياه وإدارتها بشكل مستدام في المنطقة.
تسلِّط المنظمة الضوء خلال المؤتمر على مبادراتها لتمكين المرأة والشباب من خلال مدهم بالأدوات والتدريب وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في عمليات الإدارة. فالإدارة الشاملة لا تعالج أوجه عدم المساواة فحسب، بل تعزز أيضاً النظم الغذائية والزراعية وتجعلها أكثر قدرة على الصمود وإنصافاً وأفضل استعداداً لمواجهة تحديات تدهور الأراضي وتغير المناخ.
تمر منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بتحول سريع نحو الحياة في المدن، حيث يتوقع أن تصل نسبة سكان المدن إلى 73 في المائة بحلول 2050. ويؤدي هذا التغير السكاني إلى زيادة الطلب على الغذاء والموارد الطبيعية، مما يشكل ضغطاً على الزراعة في الريف والبنية الأساسية في المدن. وتطرح المنظمة خلال المؤتمر استراتيجيات لتقوية الروابط بين الريف والمدن من خلال دمج المنتجين الريفيين في نظم الغذاء الحضرية. وتهدف هذه الجهود إلى تيسير الحصول على الغذاء المغذّي مع تقليل الأثر البيئي ودعم التنمية المستدامة.
كما ستدعو المنظمة خلال المؤتمر إلى حلول تعاونية لمواجهة ندرة المياه، تشمل تقنيات توفير المياه وتحسين نظم الري والإدارة المتكاملة للموارد. وتعد هذه السبل أساسية للحفاظ على الإنتاج الزراعي وحماية موارد المياه للأجيال القادمة.
تبرز في المؤتمر مبادرة رئيسية هي الإطار الإقليمي للاستثمار في التنمية المتكاملة واستعادة النظم البيئية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ويدعم هذا الإطار المقاربات المتكاملة لاستعادة الأراضي، ويجمع بين استثمارات القطاعين العام والخاص لدعم مشاريع مستدامة واسعة النطاق تعزز الأمن الغذائي وتخضير الزراعة وتحسن سبل العيش وتبني قدرة المنطقة على الصمود أمام تغير المناخ.
تعكس التحديات التي يواجهها الإقليم أزمة عالمية تتطلب عملاً جماعياً فورياً.
فمن خلال بناء الشراكات وتمكين المجتمعات وتوظيف المنهجيات المبتكرة، تتصدى المنظمة للتحديات الخاصة بالإقليم مع وضع نموذج للعمل العالمي لمكافحة تدهور الأراضي والتصحر.
وستمثل مخرجات هذا المؤتمر نقلة نوعية نحو مستقبل تسهم فيه إدارة الأراضي والنظم الغذائية والزراعية المستدامة في بناء القدرة على الصمود وتحقيق التنمية والازدهار. وعلينا أن نستثمر هذه الفرصة لضمان أن تشمل جهود حماية كوكبنا وضمان استدامته كل المناطق والمجتمعات والأفراد دون استثناء.