ما مدى تأثير التضخم على الأصول غير الملموسة؟
(البيان)-20/01/2025
ستيوارت كيرك*
إذا كنت ثرياً من أمريكا اللاتينية فمن المحتمل أنك عائد للتو من بونتا ديل إستي، البلدة الشاطئية في الأوروجواي، وهي مزيج رائع بين ميامي والريفيرا الفرنسية، والمعيشة فيها مرتفعة بقدر جمالها، بسبب تدفق الأموال لسنوات هرباً من التضخم في الدول المجاورة مثل الأرجنتين، فهل هناك أجمل من شقة مطلة على المحيط لحفظ ثروتك بقيمة حقيقية؟
لطالما جذبت الأصول المادية هذا الاهتمام، لكن الاقتصادات الحديثة ليست كما كانت قبل نصف قرن عندما كان التضخم مسيطراً.
في الوقت الحاضر أصبحت الأشياء التي يمكنك لمسها أقل أهمية. لا تزال الأراضي والمباني والموارد والأوراق المالية تشكل الجزء الأكبر من الميزانيات العمومية الوطنية.
رغم ذلك، في الغرب، تجاوزت قيمة العلامات التجارية والبراءات والبرمجيات والبيانات والبحث والتطوير وما إلى ذلك نمو الأصول الملموسة منذ عقود.
يتجاوز الاستثمار غير الملموس في المملكة المتحدة الآن 200 مليار استرليني سنوياً، وهو ما يزيد بنحو الخمس عن الاستثمار الملموس، لكن على عكس الأخير لم تتعايش الأصول غير الملموسة، والتضخم المرتفع على نطاق واسع لفترة طويلة. قد يحدث ذلك يوماً ما.
على الرغم من أن أسعار المستهلكين في أمريكا والمملكة المتحدة في ديسمبر كانت أكثر برودة مما كان متوقعاً يوم الأربعاء، إلا أن مسيرة ارتفاع الأسهم والسندات تظهر مدى توتر الأسواق.
إذا ارتفعت الأسعار أكثر من هذا فإن حاملي الأسهم لديهم الكثير مما يدعو للقلق، وذلك لأن الشركات هي التي قادت الانفجار العالمي في الأصول غير الملموسة.
على سبيل المثال، في عام 1975، عندما كان التضخم الرئيسي في الولايات المتحدة من رقمين، كان ما يقرب من 85 % من أصول الشركة عبارة عن أشياء ملموسة مثل المصانع والآلات ومعدات النقل والمخزون. في نصف القرن الماضي انعكست هذه النسبة.
وأصبحت الأصول غير الملموسة تمثل الآن 90 % من ميزانيات الشركات الموجودة على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500». وحدث هذا مع انخفاض التضخم إلى ظاهرة ثانوية. بالتالي فإن معظم مالكي الأسهم لم يتأملوا أبداً في ما يحدث لأسهمهم غير الملموسة إذا ارتفعت أسعار المستهلكين.
من الناحية النظرية لا ينبغي أن يكون للتضخم المرتفع أي تأثير على قيمة الأصول الملموسة أو غير الملموسة، لكن الأمور أصعب بكثير في الممارسة العملية. بادئ ذي بدء يصعب تقييم الأصول غير الملموسة. لا توجد أسعار متداولة.
«الميزة الاقتصادية المستقبلية المتوقعة» لعلامة تجارية، على سبيل المثال، هي في أحسن الأحوال تخمين قد يقدمه أي شخص، كما تنفق الشركات بالفعل ثروات لدفع رواتب المحاسبين، للوصول إلى قيم الأصول غير الملموسة التي يرضون عنها. أضف إلى ذلك التضخم المرتفع والمتقلب وتخيل مدى دقة هذه التقديرات.
ومع اقتراب حجم عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية من 4 تريليونات دولار العام الماضي فإن هذا يسبب قلقاً، حتى مع انخفاض التضخم فإن انتشار الأصول غير الملموسة يزيد احتمالية أن تدفع الشركات مبالغ زائدة مقابل بعضها البعض. يحدث هذا عادة بطريقتين، إما يتم المبالغة في تقدير الأرباح المستقبلية وإما قيم الأصول التاريخية، وعلى الأرجح كلاهما.
ويصبح هذا الأمر غير مفيد، لأن محاسبي شركات التحليل المالي لا يمكنهم حل النزاعات طويلة الأمد المتعلقة بكيفية معالجة بعض العناصر في البيانات المالية للشركات.
مثلاً هل شيء مثل قسم البحث والتطوير هو أحد الأصول التي يجب أن تكون مدرجة في الميزانية العمومية، ويتم إهلاكه، أو يوضع في نفقات حساب الأرباح والخسائر. يمكن المراوغة في الناحيتين، ولكن مع بعض الاتساق سيكون محل ترحيب.
الأسوأ من ذلك أن قيمة الأصول غير الملموسة «المولدة داخلياً» مثل قواعد بيانات العملاء أو الأسماء التجارية غير معترف بها على الإطلاق، حتى يأتي شخص ما ويشتري الشركة، وعند هذه النقطة تظهر على أنها «سمعة طيبة» في الميزانية العمومية. وكلما زادت الصفقات زاد تراكم السمعة الطيبة، إلى أن يتوقف هذا. في مثل هذا الوقت من العام الماضي شطبت Walgreens، وهي صيدلية أمريكية، 12.4 مليار دولار من السمعة الطيبة المتعلقة بالاستحواذ التاريخي.
ربما يكون أكبر خطر يمثله التضخم المرتفع هو أن «السمعة السيئة» يمكن أن تظل مختفية، لماذا؟ لأنها تظل في الميزانية العمومية بقيمة ثابتة (شريطة ألا يتم شطبها) بغض النظر عما يحدث للتضخم، فالأصول غير الملموسة مثل العلامات التجارية، وحقوق الملكية الفكرية يتم تقييمها مرة واحدة عند شرائها أو إنشائها، ثم تسجل في الميزانية العمومية بقيمة تظل ثابتة.
لذلك مع ارتفاع الإيرادات والأرباح بشكل كبير، بما يتماشى مع ارتفاع الأسعار، تظل الأصول غير الملموسة، التي تساعد في توليدها ثابتة عند «التكلفة»، وهذا يعزز العوائد.
وبالتالي، حتى أسوأ المديرين التنفيذيين في إبرام الصفقة سيكون عبقرياً إذا كان التضخم مرتفعاً بما فيه الكفاية، لأن السمعة الطيبة التي كان سيتم شطبها في فترات التضخم المنخفض ستظل مختفية هناك لسنوات حتى يشتريها شخص أحمق.
ماذا عن مسألة ما إذا كانت الأصول غير الملموسة هي تحوطات جيدة ضد التضخم؟ بالتأكيد يمكن أن تحتفظ براءة اختراع كمصدر مدر للدخل بقيمتها، كما ينبغي أن يكون الحال بالنسبة للقوى العاملة المدربة تدريباً عالياً، ولكن كن صادقاً. إذا أصبح بلدك فنزويلا غداً، فهل تفضل امتلاك مصنع وأرضه أم قسم بحث وتطوير؟ روبوت متطور أم حقوق الطبع والنشر؟
ويمكنك أيضاً أن تفترض أن شيئاً ما مثل العلامة التجارية هو آخر شيء تريده. خطأ، يقول خبراء التسويق. ولاء العلامة التجارية أكثر قيمة عندما تؤدي زيادات الأسعار إلى تآكل أعصاب العملاء، لكن البحث الأكاديمي حول التضخم في الأسواق الناشئة قاطع، الناس يتحولون إلى بدائل أرخص، أو يشترون شقة في بونتا ديل إستي.