مخاطر إدارة الديون السيادية
(العربية)-24/05/2024
*علاء المنشاوي
تعتبر استدانة الدول سلاحا ذا حدين، فمن ناحية تمكنها من توفير الأموال اللازمة لتمويل خططها وبرامجها، إلا أنه -وفي المقابل- يمثل تحديا كبيرا إذا لم يتم وفق ضوابط محددة.
هذه الضوابط تشمل كافة الدول بما في ذلك الولايات المتحدة، وهذا ما حذرت منه مجموعة غولدمان ساكس الأميركية، والتي تتوقع وصول مقياس رئيسي لاستدامة الديون إلى مستويات “متطرفة تاريخياً”. ويتوقع فريق البنك أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 130% بحلول عام 2034، من 98% حالياً.
المستهدفات الحكومية بتوفير احتياجات ورفاهية شعوبها قد يدفعها إلى الاستدانة التي يشكل تراكمها إحدى أهم المخاطر، إذ يدفع إلى زيادة مستويات العجز، وتهديد النمو وفي أعلى درجاتها مخاطر التخلف عن السداد.
الكثير من الدول تعرضت لأزمة في سداد ديونها بسبب الإدارة غير الرشيدة للاستدانة. تخلفت 41 بلدا عن سداد ديونها الحكومية بين عامي 1980 و1985، وقد استغرقت ثماني سنوات في المتوسط لاستعادة مستويات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي التي كانت تحققها قبل الأزمة.
لهذا تركز الدول على إدارة ديونها بشكل يقلل من المخاطر المحتملة وهي ست مخاطر؛ أولها مخاطرة السوق، والتي تكون مرتبطة بتغيرات أسعار الصرف، الفائدة والسلع، والتي ترفع من تكلفة خدمة الدين الحكومي.
ارتفاع أسعار الفائدة يرفع تكلفة خدمة الدين سواء بالعملات المحلية أو الأجنبية، كما يرفع تسعير أي إصدارات جديدة، وخاصة الديون قصيرة الأجل والتي عادة ما تنطوي على مخاطر أكبر، كما يؤثر سعر الصرف على تكاليف خدمة الديون خاصة بالعملات الأجنبية.
مع تراكم الديون تنطوي الديون السيادية على مخاطر التجديد، وفقا لصندوق النقد الدولي، الذي يقول “مخاطرة تجديد الدين بتكلفة مرتفعة بشكل غير عادي، أو في الحالات المتطرفة، عدم إمكانية تجديد الدين على الإطلاق. وإذا كانت مخاطرة التجديد قاصرة على احتمال تجديد الدين بأسعار فائدة أعلى، بما في ذلك لتغيرات في هوامش الائتمان يمكن اعتبارها نوعا من أنواع مخاطر السوق”.
وتتم معاملة موضوع تجديد الديون بشكل منفصل، لأن زيادة تكلفة تجديد الديون قد يسبب أزمة دين أو يفاقم الأزمة ما يسبب خسائر اقتصادية مباشرة.
ومن بين المخاطر تلك المتعلقة بالسيولة، إذ يؤدي عدم توفر السيولة لدفع الديون السيادية إلى تعرض تلك الدول لارتفاع التكلفة عبر دفع غرامات مالية كبيرة، كما تؤدي محاولة خروج المستثمرين من هذه المراكز إلى تكبدهم خسائر، وفي حال حافظوا على هذه الأصول فقد تنخفض قيمتها بشكل كبير.
وتكتسب مخاطرة الائتمان، أهمية بين جملة مخاطر إدارة الديون السيادية، فعدم دفع المقترضين لالتزاماتهم يعرض لضياع أموال المستثمرين، وتكون هذه المخاطر أعمق إذا كانت تنطوي على أصول سائلة.
يرى صندوق النقد أن مخاطر التسوية: تشير للخسارة المحتملة التي يمكن أن تتكبدها الحكومة كطرف مقابل نتيجة لعجز طرف مقابل آخر عن التسوية لأي سبب آخر بخلاف التخلف عن السداد.
النوع السادس من المخاطر هي تلك المرتبطة بالمخاطرة التشغيلية، مثل أخطاء المعاملات في مختلف مراحل تنفيذ المعاملات وقيدها، في عام 1979، لم تتمكّن الولايات المتحدة من دفع 122 مليون دولار من الديون، نتيجة خطأ في الأعمال الورقية، هو ما مثل أقل من 1% من ديون الولايات المتحدة. ووصفت وزارة الخزانة الأمر في حينه بأنه تأخير وليس تخلف عن السداد، لكن كان له عواقب على أسعار الفائدة قصيرة الأجل، التي قفزت بنسبة 0.6%.
بسبب جملة هذه المخاطر وضع علماء الاقتصاد معايير لما يعرف بـ “حوكمة الاستدانة”، -سنتحدث عنها لاحقا- بهدف التأكد من تحقيق الاستفادة منها وتجنب الوقوع في فخ التخلف عن السداد، وأهمها ضمان عدم الاستدانة بشكل يفوق قدرة الدول على السداد.