مستقبل الاقتصاد الصيني
(العربية)-17/07/2024
*ستيفن روتش
في إطار ما يسمى الجلسة المكتملة الثالثة التي تعقد في الـ15 إلى الـ18 من يوليو، ستتاح الفرصة لكبار قادة الصين لوضع الخطوط العريضة لإطار سياسي قادر على إعادة تشكيل مسار البلاد على مدى السنوات العديدة الـمقبلة. لا تعتمدوا على ذلك. الواقع أنني لديّ سبب وجيه يجعلني أعتقد أن توقعات مراقبي الصين في الغرب لما هو آت غير واقعية.
كانت هذه هي الحال أيضا في أواخر 2013 عندما اجتمعت اللجنة المركزية الثامنة عشرة لعقد جلستها المكتملة الثالثة. بُـشِّـرَ بذلك الاجتماع السياسي المغلق على نطاق واسع بوصفه فرصة تاريخية للزعيم الجديد -شي جين بينج- لوضع الصين على مسار مختلف بعد الإصلاح غير المكتمل أن عهد هو جين تاو. كانت الأجواء حافلة بشعور ملموس بالإثارة، وللوهلة الأولى، بدا الأمر وكأن الجلسة المكتملة حققت أهدافها. فقد ذكر البيان الختامي أكثر من 300 مقترح إصلاحي تغطي مجموعة اقتصادية واسعة من المجالات -من الشركات المملوكة للدولة، وسياسة الأراضي، والتجارة الخارجية، إلى إصلاحات الاستثمار والسياسات البيئية والرفاهية الاجتماعية.
ولكن في نهاية المطاف، لم تلب الجلسة المكتملة الثالثة لعام 2013 توقعات الغربيين العالية إذ كان تنفيذ الإصلاحات مخيبا للآمال، ولم تف الجلسة الثالثة بوعدها الأكبر: إعطاء السوق دورها الحاسم في توجيه التنمية الاقتصادية في الصين. بدلا من ذلك، ترأس شي نظاما خاضعا لهيمنة الدولة على نحو متزايد. ولم تتأثر السنوات الفاصلة بالتنفيذ الناجح للإصلاحات التي دفعت بها الجلسة المكتملة، بقدر ما تأثرت بتطور نظام حكم يتمحور حول الزعيم الذي سرعان ما أصبح يعرف بمسمى فكر “شي جين بينج “.
اتَّـبَع هذا التركيز على إدارة شؤون الحكم نمطا تأسس في جلسات مكتملة ثالثة على سبيل المثال، تحول ذلك التجمع في أواخر 1978 إلى منصة لصعود دنج شياو بينج ولحظة “الإصلاح والانفتاح” المحورية في الصين. على نحو مماثل، أكدت الجلسة المكتملة الثالثة في 1993، تحت قيادة جيانغ تسه مين، مبادئ اقتصاد السوق الاشتراكي وإذا حكمنا من خلال هذه النتائج السابقة، فسوف نجد سببا وجيها يحملنا على الاعتقاد بأن الجلسة المكتملة الثالثة المقبلة ستُـنتِـج بيانات تتعلق بالإيديولوجية وإدارة شؤون الحكم وليس مجموعة مفصلة من التدابير المخصصة لكل مشكلة على حِـدة.
وعلى هذا فإن كثيرا من التلميحات من جانب المسؤولين الصينيين قبل اجتماع 2024 قد تكون مضللة. لا يخلو الأمر من آمال كُـبرى وضجيج بشأن إصلاحات جديدة لمعالجة بعض أخطر المشكلات التي تواجه الصين، وخاصة أزمة الـمِـلكية العقارية ومديونية الحكومات المحلية. من ناحية أخرى، لفت شي وفريقه القيادي الانتباه إلى القوى الإنتاجية الجديدة وحتمية دفع عجلة التقدم في التكنولوجيات الرائدة والتصنيع المتقدم.
يحاول شي صراحة إعادة صياغة النظام الدولي من خلال نهج يستند إلى 3 ركائز للحوكمة العالمية الذي يدور حول مبادرة الأمن العالمي، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الحضارة العالمية. في واقع الأمر، يجتهد شي في بذل التعهدات الطموحة التي أعلنها عندما تبنى لأول مرة الحلم الصيني في أواخر 2012. ويعتقد شي أن ظهور الصين كقوة اشتراكية عظمى سيتعثر في غياب مزيد من التقدم في إدارة شؤون الحكم.
تواجه الصين وفرة من القضايا والمشكلات التي يتعين عليها أن تتعامل معها. فإضافة إلى أزمة الـمِـلكية العقارية ومشكلة ديون الحكومات المحلية، يتعين عليها أيضا أن تتعامل مع ضغوط الاحتواء من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. ثم نأتي إلى القضية التي أفضلها شخصيا ضرورة إعادة التوازن البنيوي للاقتصاد الصيني بقيادة المستهلك. لن يحدث هذا إلا من خلال إصلاحات شبكات الأمان الاجتماعي التي طال انتظارها في مجال الرعاية الصحية، والتقاعد، ونظام تسجيل الأسر (الذي يقوض الهجرة الداخلية). كل هذه الأمور تشكل ضرورة أساسية إذا كانت الصين عازمة على إعادة توجيه فائض الادخار الاحترازي المدفوع بالخوف نحو تغذية مجتمع استهلاكي أكثر قوة.